الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالغيرة في موضعها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية، وفيها صيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، وتعظيم لشعائر الله, وحفظ لحدوده، وهي مؤشرعلى قوة الإيمان ورسوخه في القلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أغير من الله عز وجل؛ لذلك حرم الفواحش ما ظهر وما بطن،. رواه البخاري ومسلم. وفى رواية: المؤمن يغار والله أشد غيرة. رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني . رواه البخاري ومسلم.
ولكن إذا زادت الغيرة عن حدها كانت نقمة على الشخص وعلى من حوله، فكثير مما يسمى جرائم العرض والشرف قد ترتكب بسبب الشائعات، مما ترتب عليه إزهاق الأرواح في بعض الأحيان دون وجه حق بسبب الغيرة القاتلة، وحينئذ يخرج الأمر من نطاق المدح إلى نطاق الذم, ومن دائرة الخير إلى محيط الشر, ويصير هذا الأمر مما يبغضه الله جل وعلا, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يكره الله؛ فأما ما يحب فالغيرة في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة. صححه الألباني.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا ً يتخونهم ويطلب عثراتهم. رواه مسلم.
وبعض الأزواج مريض بمرض الشك المر الذي يحيل الحياة الزوجية إلى نكد لا يطاق, ويحول استقرار البيوت إلى بركان محموم, وهذا شر مستطير, وأذى كبير, فلا يصح أن يسيء الرجل الظن بزوجته، وليس له أن يسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها؛ فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.
وما ذكرته أيها السائل من حال هذا الزوج فهذا ولا شك خروج عن الحد وتجاوز للمدى في أمر الغيرة, وهذا يوقع الزوجة في الحرج والضيق، ولذا فإنا نقول: من الممكن أن يؤجل أمر البناء (الزفاف) فترة من الزمن ، وفي هذه الفترة يذكر الزوج بتقوى الله جل وعلا ويحذر من عاقبة الظلم والأذى الواقع على الزوجة من جراء تصرفاته, ثم مع ذلك من الممكن أن يعرض على الأطباء المتخصصين في ذلك فلعل الأمر بسبب حالة نفسية, فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
ونقول: إن أعظم دواء لهذا المرض هو الإعراض عنه وعدم الاستجابة لداعيه مع الاستعانة بالله جل وعلا وكثرة ذكره ودعائه أن يرفع البلوى ويكشف الغمة وهو سبحانه سميع مجيب.
فإذا تحسنت الأمور,وصلحت الأحوال -بعد هذه الفترة- فعندها تستطيعون إتمام البناء، وإن كانت الأخرى, فقد يكون الطلاق في هذه الحالة هو الحل الأمثل قبل أن تتعقد الأمور , ويحصل البناء , وتأتي أطفال تدفع ثمن هذا التنازع , والله سبحانه يقول: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}
ثم نوصيكم بالاستخارة في جميع أموركم وفي كل خطوة تقدمون عليها.