الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الشارع الحكيم أذن لمن اعتدي عليه بسرقة أو خنق أو غير ذلك أن يرد بالمثل، ويأخذ بحقه، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة: 194}. وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا {الشورى:40}.
ولكن العفو عن المعتدين والتغاضي عن المسيئين أفضل وأكثر أجرا، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.
فالصبر على الأذى، وكظم الغيظ من صفات المتقين الوارثين للجنة، المستحقين لمغفرة الله ورضاه يوم القيامة، فالله يقول: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133-134}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قبله رضا يوم القيامة. رواه الطبراني وغيره بألفاظ مختلفة عن ابن عمر وغيره..
وقد علمت من هذا ما في العفو من الأجر والمثوبة عند الله.
وأما عن أخذ العوض، فإن كنت تقصد أخذه عما سرق منك، فهذا حق واجب لك. وكذا إذا تصالحت مع المعتدين على مال فلا حرج عليك في ذلك.
وأما أن تحكم لك المحكمة بأخذ العوض عن الخنق، فإن كان قد حصل لك جروح أو خدوش فلك أن يحكم لك بمال مقابل ذلك، لا إن لم يوجد في بدنك أثر من الخنق.
قال الشافعي -رحمه الله- في كتاب الأم: ولو خنق رجل رجلا أو غمه ثم أرسله ولا أثر به منه لم يكن عليه فيه غرم وعزر، ولو حبسه فقطع به في ضيقته ولم ينله في يديه بشيء ولم يمنعه طعاما ولا شرابا فقد أثم ويعزر ولا غرم عليه, وكل ما ناله من خدش أو أثر في يديه يبقى ففيه حكومة، وإن كان أثرا يذهب مثل الخضرة من اللطمة فلا حكومة. اهـ
والله أعلم.