الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وفي جواب سريع عن ختم الله عز وجل الرسالات بالنبي صلى الله عليه وسلم نقول: إن لله الحكمة البالغة فيما يدبره ويقضي به من الأمور وهو أعلم بمصلحة عباده وأرحم بهم من أنفسهم وأمهاتهم، وقد ختم الرسل بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه تعبد أمته بمهمة الرسل، فحضهم على تعلم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، فكل من عنده علم بما جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم ما علم، عملا بما في حديث البخاري: بلغوا عني ولو آية. وبحديث الصحيحين: ليبلغ الشاهد منكم الغائب . وبما في حديث البخاري: خيركم من تعلم القرآن وعلمه . وبما في حديث السنن: نضر الله امرأ سمع منا حديث فحفظه حتى يبلغه. والحديث صححه الألباني.
وبهذا واصلت الأمة مهمة رسولها فنالت بذلك الخيرية على الأمم؛ كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {البقرة:143}
وقد شارك الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته في مهمته فشاركه أبو بكر وخديجة رضي الله عنهما فأسلم على يديهما جمع من الصحابة، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على الالتقاء بالحجاج والمعتمرين فكان يأتي إليهم ويدعوهم إلى الله وإلى أن يناصروه في تبليغ رسالة الله.
وقد شارك في الدعوة إلى الله كثير من الصحابة خارج مكة قبل الهجرة منهم مصعب بن عمير والطفيل بن عمرو الدوسي وضماد الأزدي وغيرهم.
وانطلقت السرايا إلى كثير من المناطق بعد الهجرة وأسلم على يديهم كثيرون، وانطلق الرسل برسالاته إلى ملوك الأرض حاملين لهم رسائل تدعوهم للإسلام، فأسلم بعضهم، وقارب بعضهم، وكابر بعضهم.
وقد ذكر بعض أصحاب السير أنه صلى الله عليه وسلم دعا بنفسه يأجوج ومأجوج ليلة الإسراء.
وبهذا يعلم أنه صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله كثيرا من المعاصرين له إما بنفسه وإما بواسطة سراياه ورسائله.
وقد قام خلفاؤه بالمهمة بعده فواصلوا الفتوحات حتى نعم أغلب الأراضي بنعمة الإسلام قبل انقراض الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يزال أمر الله لهذه الأمة بالقيام بمهمة الرسالة قائما، ولئن غاب شخص الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تزال رسالته خالدة، فالقرآن الذي أوحي إليه والأحاديث التي تكلم بها معروفة عند ورثته من أهل العلم، وعليهم أن يقوموا بتعليمها للناس وحضهم على التمسك بها، فعلى الأمة أن تنشط وتدعو العالم إلى دين الله لينالوا رضى الله وسعادة الدارين، وما ظهرت هذه التهجمات من أهل الباطل إلا بعد أن كسلت الأمة عن مهمتها فأصبحت في موقف الدفاع، وأصبح عوامها عرضة لتخلخل وزلزلة عقائدهم بسبب نشاط أهل الشر في نشر الإلحاد والفجور.
هذا وننبه إلى أن ما يذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من القتل والإرهاب ويحاول المشككون أن يشوهوا به صورة الإسلام يدل على جهلهم بالسيرة، فقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية صابرا آمرا الصحابة بالصبر وكف أيديهم، ثم أذن له بعد الهجرة في الرد على المعتدين وقتال من قاتله.
ثم شرع له أن يقاتل من يصدون الناس عن الدخول في الدين ويمنعون انتشار دين الله الذي جعل الله فيه صلاح البشر وسعادتهم الدنيوية والأخروية.
وهذا مقبول لدى العقول السليمة، فرد اعتداء المعتدي الجاهل إن لم ينفعه الحلم والتغاضي هو الأنسب في حقه، وإزاحة الممتنع عن الهدى الحائل بين الناس وبين سبيل الهدى هو المناسب لأن موت أشخاص قلة يحولون بين الناس وبين ما يرضي ربهم أهون وأقل شرا من موت أمم على الضلال ثم يصيرون إلى النار، ونحن في واقعنا المعاصر نرى القوانين تسمح لسيارة الإطفاء أن تدهس من حال بينها وبين الوصول لمحل الحريق لأنها بذلك تنقذ حيا كاملا فهذا أمر مبرر إذا قورن بقتل شخص معترض لها في الطريق، ثم إن أصحاب السير ذكروا أنه لم يقتل في الغزوات والسرايا خارج المدينة طيلة تلك السنوات إلا مئات قليلة، ومن تأمل حاله صلى الله عليه وسلم يجده كثير العفو عن المسيء، فقد عفا عن أهل مكة وهوزان بعد التمكن منهم، كما عفا عن الأعرابي الذي وقف عليه بالسيف ليقتله، وعن غيرهم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65890، 94415، 94683، 79540، 28335، 73029، 19193، 76473، 13988، 66139، 104183، 72152
والله أعلم