الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج البخاري وغيره عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً.
فهذا الحديث يدل على استحباب جلسة الاستراحة ، وتسمى جلسة الأوتار ، لأنها تكون بعد الأوتار في الصلاة.
وقد ذهب إلى استحبابها الشافعي في المشهور عنه وهو كذلك رواية لأحمد نقلها الخلال عنه ، واختارها طائفة من أهل الحديث ، وذهب المالكية والحنفية إلى عدم استحبابها ، وهو المعتمد عند الحنابلة ففي كشاف القناع للبهوتي رحمه الله : ( ولا تستحب جلسة الاستراحة وهي جلسة يسيرة صفتها كالجلوس بين السجدتين ) بعد السجدة الثانية من كل ركعة بعدها قيام والاستراحة طلب الراحة كأنه حصل له إعياء فيجلس ليزول عنه والقول بعدم استحبابها مطلقا : هو المذهب المنصور عند الأصحاب.
واستدل هؤلاء بالأحاديث الأخرى التي لم تذكر فيها هذه الجلسة مثل حديث أبي حميد الساعدي ، المشتمل على صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ورأوا أن ما ذكره مالك بن الحويرث من جلوسه صلى الله عليه وسلم ربما كان لعارض من مرض وكبر سن.
والراجح -إن شاء الله تعالى- أن هذه الجلسة مستحبة لأن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم -في الصلاة- أن تكون للتشريع ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي."
ومما يؤيد القول باستحبابها أن راويها مالك بن الحويرث هو راوي الحديث:" صلوا كما رأيتموني أصلي" ،رواه البخاري. فحكايته لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم معتبرة ، فكأنه يفسر بها هذا الأمر الذي رواه.
وما استدل به القائلون بعدم استحبابها من كونها لم تذكر في الأحاديث الأخرى ، غير كاف للرد على القائلين باستحبابها ، لأن الكثير من سنن الصلاة المتفق عليها لم تذكر في كل الأحاديث التي تحكي صفة صلاته صلى الله عليه وسلم. وغاية ما يدل عليه ذلك نفي الوجوب ، لا نفي الاستحباب ، كما هو ظاهر.
وعلى كل فمن تركها ناسياً أوجاهلاً بحكمها فلا يترتب على ذلك شيء إطلاقاً ، بل إن من تركها عامداً لا يلزمه شيء ، إلا أنه لا ينبغي تركها بالكلية ، لما علمت من ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.