السؤال
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: السب في اللغة الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع الخروج عن الطاعة، وأما معنى الحديث: فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.. فما هو وجه الحق المذكور فى شرح الإمام النووي، وهل هذا التلفظ موجود بعلم الجرح أصلاً وهل يصح إذا أخطأ أحد في إصدار فتوى أو مجموعة فتاوى أن يطلق عليه لفظ كلب؟
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
من حق من وُجه إليه السب أو الشتم أن يرد على من سبه أو شتمه، ولا يحق له أن يسب مسلماً أو يشتمه بغير حق شرعي ولو كان ذلك على سبيل الجرح والتعديل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن النووي -رحمه الله- يقول إنه لا يجوز سب المسلم بغير حق شرعي، وإن ذلك فسق وخروج عن طاعة الله تعالى، فقد قال: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء:148}، فالحق في كلامه رحمه الله هو الرد على من سبك أو شتمك أو ظلمك... كما قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.
وأما ما يتعلق بالجرح والتعديل فإنه لا يجوز للجارح السب ولا الشتم.. ويجب عليه أن يقتصر على ما تحصل به الفائدة من الجرح، ولا يجوز له أن يتعداه إلى غيره من عيوب الراوي أو الشاهد... فإن ذلك من الغيبة وانتهاك أعراض الناس بغير حق شرعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهم عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن القدح في الشخص، فهذا من عمل الشيطان، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، بل يكون الناصح قصده أن يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه.
وبهذا تعلم أنه لا يجوز إطلاق الألفاظ البذيئة على من أخطأ في فتواه؛ بل الواجب نصحه وإرشاده، فإذا لم يقبل وجب التحذير من فتاواه والاقتصار في جرحه على محل الخطأ منها كما سبق، ومن تعدى وسب المسلم بغير حق فإنه فاسق؛ كما جاء في الحديث.
والله أعلم.