السؤال
كيف يوفق المسلم بين الشوق للقاء الله وعدم السقوط في تمني الموت الذي نهى عنه الإسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تمني العبد للموت لضر أصابه، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".
قال الحافظ في الفتح: وهذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، لأن في التمني المطلق نوع اعتراضٍ ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء.
ومما هو السبب في النهي عن تمني الموت أن في طول عمر المؤمن خيراً له على كل حالٍ، كما صرح بذلك في حديث الصحيحين أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يدخل أحداً عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يارسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت: إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وأما مسيئاً فلعله أن يستعتب".
ومع ما تقدم من النهي عن تمني الموت، فإن المسلم مطالب بأن يوطن نفسه على الشوق إلى لقاء الله تعالى والاستعداد لذلك، والتطلع إلى ما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين من الأجر والمثوبة والكرامة التي من أجلِّها رؤيته سبحانه وتعالى في الآخرة.
والشوق إلى لقاء الله تعالى يستلزم عدم الركون إلى الدنيا والاطمئنان إليها والرضى بها، بل إن المشتاق حقاً إلى لقاء الله تعالى المتطلع إلى الولوج في بحبوحة كرامته، وواسع فضله، والانغماس في جزيل مثوبته يعتبر الدنيا مجرد محطة استعدادٍ وتزودٍ لذلك اللقاء المحبوب، واستكثارٍ من ذلك الزاد، وإمعانٍ في ذلك الاستعداد، فهو لا يتمنى الموت -وإن كانت الحياة الدنيا سجنا له، وعائقاً له عن الوصول إلى ذلك الهدف المنشود- لا يتمنى الموت: رجاءً لذلك الاستكثار والإمعان، ورضاءً بقضاء الله تعالى.
وبهذا تعلم -أيها السائل الكريم- أن التوفيق بين الأمرين ممكن، وأنه لا تعارض بينهما كما هي العادة في أوامر الحكيم العليم. والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني