السؤال
ما حكم من وافق السوداني حسن الترابي في إباحة زواج المسلمة من كتابي، وأن شهادتها تعادل شهادة الرجل، وأن من يرى خلاف ما أفتى به، عليه أن يأتي بالحديث والسنة قبل أن يطلق الاتهامات التي لا تمت إلى الاجتهاد في شيء.
ووصف من يحرم ذلك بأنه مجرد "أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل"، الهدف منها جر المرأة إلى الوراء، وقال إن "التخرصات والأباطيل التي تمنع زواج المرأة المسلمة من الكتابي، لا أساس لها من الدين، ولا تقوم على ساق من الشرع الحنيف". وأضاف "وما تلك إلا مجرد أوهام وتضليل وتجهيل وإغلاق وتحنيط وخدع للعقول، الإسلام منها براء".
وأن الإنسان أصله قرد وأن نظرية داروين لا تعارض القرآن الكريم، ويقول في هذا الشأن "لا أرى تعارضا في القول بأن الإنسان أصله قرد مع النص القراني".
وأفتى أيضاً أن الخمور لا تكون جريمة إلا اذا تحولت الى عدوان، ودعا إلى الاختلاط بين النساء والرجال، ويقول في هذا الشأن "إن عزل الرجال عن النساء يضر بالمجتمع وينشر فيه الرجس وعدم الطهر".
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليعلم أولا أننا في مركز الفتوى لسنا معنيين بالحكم على الأشخاص ولكننا نقوم بتوجيه الناس وتبصيرهم بدينهم والدفاع عن الشرع فيما يرد من أباطيل.
وحسن أن يجعل الترابي أو غيره شرع الله تعالى المرجع عند الاختلاف، فهذا هو الواجب، لقول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{النساء: 59} ولكننا نجد الترابي أول من يخالف هذا النهج فلا يقيم لنصوص الكتاب والسنة وزنا، وإنما يلوي أعناق النصوص لتتماشى مع ما يذهب إليه من أفكار، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الترابي لا يلتفت إلى اجتهادات السابقين وفهمهم ولا يعتبره، فلا غرابة إن ثبت ذلك عنه أن يصف القول بتحريم زواج المسلمة من الكتابي أو غير ذلك من أقوال بأنها مجرد أوهام وأباطيل وتخرصات وغيرها من أوصاف أولى أن توصف بها أفكاره لا اجتهادات الفقهاء السابقين والقائمة على أسس وقواعد سليمة أصلها العلم الشرعي الصحيح لا الأهواء.
وقد سبق لنا الوقوف مع بعض ما نقل عن الترابي من إثارة لبعض الأفكار وذلك بالفتوى رقم:73831، ونقف هنا مع المسائل التي وردت بهذا السؤال ولم يتم التعرض لها بالفتوى السابقة وهذه المسائل هي:
المسألة الأولى: زواج المسلمة من الكتابي، ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يجوز زواج المسلمة من غير المسلم كتابي أو غيره لقول الله تعالى: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا{البقرة: من الآية221}، قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. اهـ
وروى الطبري في تفسيره بإسناده إلى قتادة والزهري أنهما قالا في تفسير هذه الآية: لا يحل لك أن تنكح يهوديا أو نصرانيا ولا مشركا من غير دينك. اهـ، ولعل من المناسب أن نذكر هنا بعضا مما ذكر أهل العلم من حكمة هذا التحريم، ومن ذلك ما قاله الكاساني في كتابه بدائع الصنائع حيث قال: لأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر لأن الزوج يدعوها إلى دينه والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين وإليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل: أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، إلى أن قال: فلا يجوز إنكاح المسلمة الكتابي كما لا يجوز إنكاحها الوثني والمجوسي لأن الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً، فلو جاز إنكاح الكافرالمؤمنة لثبت له عليها سبيل. اهـ.
المسألة الثانية: نظرية دارون
وقد سبق لنا في بعض الفتاوى بيان أصل نظرية دارون، ومعلومات عن صاحبها ومدى بطلانها ومناقضتها للقرآن، وتراجع في هذا الفتوى رقم:4755، والفتوى رقم: 57722.
المسألة الثالثة: الاختلاط بين الرجال والنساء وقد سبق أن بينا بالفتوى رقم:3539، تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء وأدلة ذلك، وكذا بيان مفاسد الاختلاط وما يجره من بلاء فلتراجع هذه الفتوى.
وأما القول بأن عزل الرجال عن النساء يضر بالمجتمع وينشر فيه الرجس وعدم الطهر فقول مخالف للشرع ومناقض للفطرة السليمة وإنكار للواقع المشاهد.
والله أعلم.