السؤال
هل الأذكار تقال سرا أو جهرا؟
وجزاكم الله خيرا كثيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن الأفضل الإسرار بجميع الأذكار التي لم يثبت الأمر بالجهر بها لأجل البعد عن الرياء والعجب ، إلا في حال وجود مصلحة تقتضي الجهر كرجاء الشخص أن يقتدي به غيره من الغافلين، أو ليطرد عن نفسه النوم أو الكسل ونحو ذلك من كل مقصد شرعي نافع. ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: مسألة : في رجل أوقف وقفا ، وشرط في بعض شروطه أنهم يقرؤون ما تيسر ، ويسبحون ويهللون ويكبرون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فهل الأفضل السر أو الجهر ؟ وإن شرط الواقف فما يكون ؟
الجواب : الحمد لله ، بل الإسرار بالذكر والدعاء كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها أفضل ، ولا هو الأفضل مطلقا ، إلا لعارض راجح ، وهو في هذا الواقف أفضل خصوصا : فإن الله يقول : وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً {الأعراف: 205 } وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالذكر قال : أيها الناس ! اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، وإنما تدعون سميعا قريبا ، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته . وفي الحديث: خير الذكر الخفي ، وخير الرزق ما كفى . والله أعلم . انتهى
وفي بريقة محمودية للخادمي الحنفي: وفي آخر رسالة أبي مسعود: الجهر بالذكر جائز ولكن الإخفاء أفضل وهو مراد محمد ، بما ذكر في السير الكبير من كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن والذكر على ما بينه في الذخيرة والمحيط؛ ولكن قد يعرض عارض فيكون الجهر أفضل كدفع الكسل والنوم والخواطر وحث الغير والمعاونة. والحاصل أن الذكر والقرآن والصدقة سواء حق الجهر والإخفاء، وكون الأصل الإخفاء إن لم يعرض عارض . انتهى
وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن : الأصل في الأعمال الفرضية الجهر ، والأصل في الأعمال النفلية السر ، وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بها في الدنيا ، والتفاخر على الأصحاب بالأعمال ، وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة ، وقد جعل الباري سبحانه في العبادات ذكرا جهرا وذكرا سرا ، بحكمة بالغة أنشأها بها ورتبها عليها ، وذلك لما عليه قلوب الخلق من الاختلاف بين الحالتين . انتهى
وبناء على ما تقدم فإن الأصل أن الإسرار بالذكر الذي لا دليل على الجهر به أفضل إلا لمصلحة تترتب على الجهر به كما سبق .
والله أعلم .
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني