السؤال
السؤال: في القرية التي أسكن فيها يقوم المؤذن المكلف بالأذان في المسجد بإطفاء كل الأنوار الموجودة في المسجد ولا يترك أي بصيص من نور ، وقلت له على الأقل أترك مصباحا واحدا في أعلى المئذنة حتى يهتدي الناس عابرو السبيل للمسجد وخوفا من الطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض، فقال لي بأن هناك حديثا صحيحا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن ترك أضواء المساجد مضاءة بعد الصلاة لأن هذا من الإسراف، أثابكم الله ما مدى صحة هذا الكلام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نقف على حديث يأمر بإطفاء سرج المسجد، ولعل الأخ المؤذن قصد الحديث الذي في الصحيحين عن جابر مرفوعاً قال: ..... وأطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت.
والعلة في السرج القديمة غير موجودة في السرج الحديثة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ولو وجدت مصلحة لإبقاء سراج في المسجد فلا حرج في ذلك، سواء من السرج القديمة أو الحديثة، وأما لغير حاجة فقد نص الفقهاء على أنه يطفأ جميع سرج المسجد لما في ذلك من ضياع المال، لا سيما إذا كان من مال الوقف، وقد سئل الشيخ ابن حجر الهيتمي عمن وقف على دهن السراج في المسجد هل يجوز سراجه جميع الليل وإن لم يكن فيه أحد؟ فأجاب بقوله: الذي أفتى به النووي أنه إنما يكون جميع الليل إن انتفع من بالمسجد ولو نائماً، فإن لم يكن به أحد ولا يمكن دخوله لم يسرج لأنه إضاعة مال.
وقال ابن عبد السلام: يجوز إيقاد اليسير من المصابيح ليلا مع خلوه احتراماً له وتنزيها عن وحشة الظلمة، ولا يجوز نهاراً لما فيه من السرف والإضاعة والتشبيه بالنصارى، ومن كلامه هذا يؤخذ تحريم إكثار الوقود في المساجد بحيث يزيد على الحاجة قطعاً أيام رمضان ونحوها وإن لم يكن من مال الوقف.
قال العبادي الحنفي في الجوهرة: ولو وقف على دهن السراج للمسجد لا يجوز وضعه لجميع الليل، بل بقدر حاجة المصلين، ويجوز إلى ثلث الليل أو نصفه إذا احتيج إليه للصلاة فيه، وهل يجوز أن يدرس الكتاب على سراج المسجد؟ ينظر، إن كان وضع لأجل الصلاة فلا بأس بذلك إلى أن يفرغوا من الصلاة.
وقال ابن نجيم: ولا بأس بأن يترك سراج المسجد فيه من المغرب إلى وقت العشاء، ولا يجوز أن يترك فيه كل الليل إلا في موضع جرت العادة فيه كمسجد بيت المقدس، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الحرام. أو شرط الواقف تركه فيه كل الليل، كما جرت العادة به في زماننا، ويجوز الدرس بسراج المسجد إن كان موضوعاً فيه لا للصلاة بأن فرغ القوم من الصلاة وذهبوا إلى بيوتهم وبقي السراج فيه، قالوا: لا بأس بأن يدرس بنوره إلى ثلث الليل، لأنهم لو أخروا الصلاة إلى ثلث الليل لا بأس به، فلا يبطل حقه بتعجيلهم، وفي ما زاد عن الثلث ليس لهم تأخيرها فلا يكون لهم حق الدرس.
وما سبق فيما لم تترتب على السراج مصلحة مقصودة كالدلالة عليه ليقصده الناس للصلاة فيه وعدم اصطدام طائرة مارة بمنارته ونحو ذلك، أما إذا ترتب عليه ذلك فلا شك إن إبقاء نور بقدر تحقيق المصلحة هو المطلوب.
والله أعلم.