السؤال
ما مدى صدق فتوى جاءت من مفت يقول فيها ما يلي: (إن البيض المسلوق مع بيض فاسد في إناء واحد يحرم أكله بالجملة الفاسد منه والسليم) وقد سمعنا هذا عندما سلق رجل بيضا في إناء وبعد إتمام العملية وجد من ضمن البيض المسلوق بيضا فاسدا لهذا أطلب من فضيلتكم بيان الصواب مع أدلة شرعية.
وجزاكم الله ألف ألف خير وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن البيض الفاسد يحرم أكله كما قدمنا في الفتوى رقم: 42631 وذلك لنجاسته وما يخاف من ضرره، وقد اختلف أهل العلم في البيض المسلوق مع شيء نجس هل يمنع أكله نظراً لإمكان تسرب النجس إليه أم لا يمنع، لأن غطاء البيضة يحصنها من تسرب النجس إليها، فذهب الجمهور لجوازه والمشهور عند المالكية منعه وقيده بعضهم كعليش في شرح خليل بتغير الماء فصرح بأنه لا يطهر بيض سلق بنجس أو وجدت فيه بيضة مذرة إن تغير الماء المسلوق فيه، لأنه تنجس بها وشرب منه غيرها.
ففي الموسوعة الفقهية: إذا سلق البيض في ماء نجس حل أكله عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة وهو القول المرجوح عند المالكية) وفي الراجح عند المالكية لا يحل أكله لنجاسته وتعذر تطهيره لسريان الماء النجس في مسامه.
وقال خليل في المختصر: ولا يطهر زيت خولط ولحم طبخ وزيتون ملح وبيض سلق بنجس.
قال الحطاب عند شرحه: وقوله: وبيض صلق بنجس يشير به إلى ما وقع في سماع يحيى من كتاب الضحايا في البيض يصلق فيوجد في إحداهن فرخ إن أكلهن كلهن لا يصلح، لأن بعضه يسقي بعضاً قال ابن رشد وهو صحيح وعزا ابن رشد في كتاب الطهارة هذه المسألة لسماع يحيى من كتاب الصيد وليست فيه، والمسألة من باب اللحم المطبوخ بالنجس وإنما أفردها بالذكر، لأن الخلاف فيها من جهة قشر البيض هل يمنع من وصول النجاسة أم لا، قال ابن رشد بعد كلامه المتقدم ويلاحظ هذا المعنى، الخلاف في البيض الطاهر يسلق مع النجس هل ينجس ذلك الطاهر أم لا؟ وهو خلاف يرجع إلى الحس، ووجه آخر هل يمكن أن ينفصل من النجس شيء يدخل في مسام الطاهر فينجسه أم لا؟ انتهى.
وعزا ابن عرفة القول الثاني للخمي ونصه ابن القاسم وابن وهب: لا تؤكل بيضة طبخت مع أخرى فيها فرخ لسقيها إياها اللخمى إثر ذكره روايتي تطهير لحم طبخ بماء نجس، وعلى أحد قولي مالك تؤكل السليمة وصوبه، لأن صحيح البيض لا ينفذه مائع. انتهى
واعترض البساطي على المصنف في جمع هذه المسألة مع ما قبلها، لأن الخلاف فيها هل ينجس أم لا؟ والخلاف فيما قبلها هل يطهر أم لا؟ قلت: وهذا ليس بظاهر لأن البيض إذا قلنا إنه ينجس فإنه لا يقبل التطهير، لأنه قال في السماع المتقدم لا يصلح أكلهن ولو كان يقبل التطهير لقال يغسل ويؤكل وأيضا فقد قال ابن رشد في شرحها: إنه خلاف قوله في سماع موسى: إن اللحم يغسل ويؤكل. فتأمله.
وقال الخرشي في شرحه له أيضاً:
قوله وبيض صلق: شامل لبيض النعام، لأن غلظ قشره لا ينافي أن يكون له مسام يسري منها الماء وصلق بالسين أيضاً، ولا فرق بين أن يتغير الماء المصلوق فيه النجاسة أم لا إما لأنه حينئذ ملحق بالطعام، وإما لأنه مظنة التغير وإما مراعاة لقول ابن القاسم وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره، وأما لو نزلت عليه بعد صلقه فيغسل ويؤكل. اهـ
وقال الرحيباني في المطالب: ومن بلع نحو لوز كبندق في قشره ثم قاءه ونحوه، بأن خرج من أي محل كان، لم ينجس باطنه لصلابة الحائل، كبيض سلق في خمر، أو نحوه من النجاسات، فلا ينجس باطنه لأن النجاسة لا تصل إليه، بخلاف نحو لحم وخبز.
وقال الشيخ زكريا في أسنى المطالب: ولا يكره بيض سلق بماء نجس، كما لا يكره الماء إذا سخن بالنجاسة.
والله أعلم.