الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالرزق وبسطه وتضييقه كل ذلك من الله تعالى، وبقضائه وقدره، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ {الحجر: 21}.
وقال تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {العنكبوت: 62}.
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {الزمر: 52}. ومعنى يقدر: يضيق.
وليس أحد من البشر يستطيع أن يغير من رزقه الذي قدره الله شيئاً، ولكن يجب أن يعلم أنه سبحانه يجري الرزق على عباده بحسب ما قدر من أسباب لذلك، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك: 15}.
وقال تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {العبكبوت: 17}.
والأخذ بأسباب الرزق لا يتنافى مع كون الرزق مقدراً من الله، فهذه مريم بنت عمران، أمرها الله تعالى بمباشرة أسباب الرزق فقال تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {مريم: 25}. وراجعي الفتوى رقم: 20441.
وإذا تقرر هذا، فعلى المسلم أن يتقي الله ويجتهد في مباشرة أسباب الرزق الحلال، ويبتعد عن الحرام ويعلم أن تقدير الرزق تابع لحكمة الله ومشيئته وعلمه، فليرض بما قسم الله له.
قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3}.
وقال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ {الشورى: 27}.
قال ابن كثير: أي ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه.
وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
وراجعي الفتوى رقم: 17831.
وأما ما ذكرت من عدم تأديتك لعملك على الوجه المطلوب فهذا لا يجوز، فعليك بالتوبة إلى الله من ذلك، ولا مانع من أن تطالبي بزيادة راتبك، فإن ذلك من الأسباب المشروعة لتحصيل الرزق، وراجعي الفتوى رقم: 6121، والفتوى رقم: 28347، والفتوى رقم: 522.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.