السؤال
كنت قد علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفاد بوجوب طاعة ولي الأمر في الحق وعدم طاعته في الباطل وأعتقد أنني قد أحسست بضيق من ذلك وتمنيت أن لا تكون الطاعة له في الحق ما دام قد أمر بغير الحق في أشياء أخرى، ولكنني عدت و تذكرت (وكنت قد نسيت) وجوب عدم كره ما أنزل الله وأنكرت ما تمنيته في نفسي، فهل تنطبق عليّ الآية الكريمة {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}، فأنا أخاف من ذلك خوفا شديداً؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن طاعة ولاة الأمر تجب -كما ذكرت- إذا لم يأمروا بمعصية، أما إذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وذلك لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وصححه السيوطي والألباني، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.... رواه البخاري وغيره.
هذا؛ وننبه إلى وجوب العدل في كل شيء، فلا يحق لنا أن يحملنا جور الأمراء على ترك الطاعة في الحق التي أوجب الله لهم علينا ولا كراهية حكم الله تعالى بذلك، قال الله تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة:8}، وقد ذم الله تعالى الكارهين لأحكام الدين في عدة آيات وجعل ذلك من علامات الكفر، فقال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ {الشورى:13}، وقال تعالى: لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {الزخرف:78}، وفي مثل هذا المقام جاء قول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:28}، فالواجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36}، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}، وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65}.
قال العلامة ابن القيم رحمة الله تعالى عليه: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضا والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
هذا؛ ونرجو الله تعالى أن يعفو عنك بسبب ما ذكرت من النسيان وإنكارك ما تمنيت في نفسك بعد تذكرك للآية، وأن لا يحبط عملك، قال الله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة: 286}، وفي الحديث: تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
والله أعلم.