السؤال
أريد الإجابة عن سؤالي بشكل علمي ومنطقي، لأن الدين فضل العقل على القلب، والعلم على الجهل.
لماذا نقول إن الدين الإسلامي صحيح، وطبعاً كل الديانات، وهي لم ترد عن السؤال الذي شغل العقل البشري منذ الخليقة، وهو من صانع هذا الكون؟ وإذا كان جوابكم أنه الله، فمن خلق الله إذاً؟
إن سورة الإخلاص تجيب عن السؤال بطريقة ذكية جداً، وتخبرنا أنه لا تبحث بهذا المجال، لأنك لن تجد جواباً.
إذاً ما الجديد الذي أجاب عنه الإسلام، هل بالحجاب أم بكيفية الصلاة؟ وشكراً لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأدلة على أن الله تعالى خالق الكون كثيرة جداً، ومحل هذه المسألة كتب العقيدة، لكننا نكتفي في هذا المقام بالإشارة إشارة سريعة إلى أربعة أدلة من الكون نفسه تشهد بأن الله تعالى هو الخالق، وقد أشار إليها ربنا في فاتحة سورة الأعلى، حيث قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى: 1-3}.
والدليل الأول وجود الخلق، وهو يشهد بوجود خالقه، قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {الطور: 35}.
والدليل الثاني: التسوية، ومعناه أن الله تعالى خلق الخلق بإتقان بديع، وهذا يظهر مثلاً في جوارحنا، فما من جارحة إلا وأتقنها الله إتقاناً بديعاً حتى تؤدي وظيفتها التي خلقت من أجلها على أكمل وجه، قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ {النمل: 88}.
والدليل الثالث: التقدير، ومعناه أن الله تعالى خلق كل شيء بتقدير وحساب وترتيب بحيث يتناسب مع مكان وجوده وزمانه، وبحيث يتلاءم مع غيره من الموجودات، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49}.
ومن الأدلة على ذلك: الشمس، تبعد عنا مسافة لو نقصت لكان من الممكن أن نحترق، ومن ذلك هذا التكامل بين النبات وسائر الحيوان، فالنبات يتنفس ثاني أكسيد الكربون ويخرج الأكسجين، وسائر الحيوان يتنفس الأكسجين ويخرج ثاني أكسيد الكربون.
والدليل الرابع: دليل الهداية، ومعناه أن الله تعالى هدى كل مخلوق إلى ما يصلحه، قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {طه: 50}.
ومن الأدلة على ذلك: المولود يولد، فيهديه الله تعالى إلى التقام ثدي أمه.
أما جواب سؤال من خلق الله، فجوابه يعرف فيما ذكرناه لك آنفاً من أدلة على أن الله تعالى هو الخالق، فإذا ثبت أنه سبحانه الخالق، فكيف يكون مخلوقاً؟! فهذا أمر محال ولا يقبله عقل أبداً، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي قوله: على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً، ثم لو كان السؤال متجهاً لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات تفتقر إلى محدث، فلو كان هو مفتقراً إلى محدث لكان من المحدثات. انتهى.
واعلم أن الطريق الأمثل للتخلص من هذه الوسوسة التي بدت لنا جلية من خلال طرحك للسؤال هو أن تمتثل لما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتي يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته.
وجاء في سنن أبي داود: فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان. والحديث حسنه الألباني. وجاء في مسند أبي يعلى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا كان ذلك فليقل آمنت بالله ورسله. والحديث قال فيه الشيخ حسن أسيد: إسناده صحيح.
فهذا علاج نبوي كريم ناجع إن شاء الله، ونحن على يقين أنك إذا أخذت به فسيذهب ما بك من وسواس، ولن يرجع إليك إن شاء الله.
والله أعلم.