الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين قوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وقوله: فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا.

السؤال

في سورة طه يقول الله -تعالى-: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)"، ثم يقول -جل جلاله-:" فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)، أريد أن تشرحوا لي كيف لا يعرى آدم -عليه السلام- في الجنة في الآية 118، ثم بدت له سوءته عندما أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها هو وحواء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بين الآيتين، والحمد لله رب العالمين؛ لأنَّ الكسوة والسِّتر في الآية الأولى كانا في سياق الامتنان، والإحسان ما داما في الجنة طائعين له وافيين بما اشترطه عليهما.

والتعرية وكشف السِّتر في الآية الأخرى كانا في سياق العقوبة على العصيان، والله -تعالى- لم يعِد آدم أن يُتم عليه نِعمته، ويُسدل عليه ستره مهما عصاه.

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره لهاتين الآيتين: لما أكمل [الله -تعالى-] خلق آدم بيده، وعلمه الأسماء، وفضله، وكرمه - أمر الملائكة بالسجود له، إكرامًا، وتعظيمًا، وإجلالاً، فبادروا بالسجود ممتثلين، وكان بينهم إبليس، فاستكبر عن أمر ربه، وامتنع من السجود لآدم، وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}، فتبينت حينئذ عداوته البليغة لآدم وزوجه، لما كان عدوًا لله، وظهر من حسده ما كان سبب العداوة، فحذر الله آدم وزوجه منه، وقال: {لا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}، إذا أُخرجت منها، فإن لك فيها الرزق الهَني، والراحة التامة. {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} أي: تصيبك الشمس بحرِّها، فضمن له استمرار الطعام، والشراب، والكسوة، والماء، وعدم التعب والنصب، ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة، فقال: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، فلم يزل الشيطان يسول لهما، ويزين أكل الشجرة، ويقول: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ}، أي: الشجرة التي مَن أكل منها خلد في الجنة. {وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} أي: لا ينقطع، إذا أكلت منها، فأتاه بصورة ناصح، وتلطف له في الكلام، فاغتر به آدم، وأكلا من الشجرة، فسقط في أيديهما، وسقطت كسوتهما، واتضحت معصيتهما، وبدا لكل منهما سوأة الآخر بعد أن كانا مستورين، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك، وأصابهما من الخجل ما الله به عليم. {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}، فبادرا إلى التوبة، والإنابة، وقالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، فاجتباه ربه، واختاره، ويسر له التوبة، {فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها، ورجع كيد العدو عليه، وبطل مكره، فتمت النعمة عليه، وعلى ذريته، ووجب عليهم القيام بها، والاعتراف، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم ليلاً ونهارًا {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني