السؤال
ما الآيات المدنية في سورة لقمان؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات المدنية في سورة لقمان هي ثلاث آيات، كما روي عن ابن عباس، أو آيتان، كما روي عن قتادة، وعطاء، وروي عن الحسن أن المكي منها آية واحدة، وذكر بعض أهل العلم أنها مكية كلها. فقد جاء في الناسخ والمنسوخ للنحاس: عن ابن عباس، قال: وسورة لقمان نزلت بمكة، فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة، وذلك أنه لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتته أحبار اليهود فقالوا: يا محمد بلغنا أنك تقول: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، أفعنيتنا أم عنيت غيرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عنيت الجميع، فقالت له اليهود: يا محمد أو ما تعلم أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى صلى الله عليه وسلم، وخلفها موسى عليه السلام فينا ومعنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله تعالى؛ فأنزل الله عز وجل بالمدينة ثلاث آيات، وهن قوله تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله- إلى تمام الثلاث الآيات. اهـ.
وجاء في تفسير ابن عطية: سورة لقمان: هذه السورة مكية غير آيتين، قال قتادة أولهما: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام.. إلى آخر الآيتين، وقال ابن عباس ثلاث آيات أولهن: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ... اهـ.
وجاء في تفسير الماوردي: سورة لقمان مكية كلها في قول الجميع، إلا رواية عطاء أن آيتين منها نزلتا بالمدينة، وهما قوله تعالى: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والتي بعدها، وقال الحسن: إلا آية منها نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة؛ لأن الصلاة والزكاة مدنيتان. اهـ.
وقد أيد ابن عاشور القول بأنها مكية كلها، وناقش الأقوال الأخرى، فقال في التحرير والتنوير: روى البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس: أنزلت سورة لقمان بمكة، وهي مكية كلها عند ابن عباس في أشهر قوليه، وعليه إطلاق جمهور المفسرين. وعن ابن عباس من رواية النحاس استثناء ثلاث آيات من قوله تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام... إلى قوله: بما تعملون خبير. وعن قتادة إلا آيتين إلى قوله: إن الله سميع بصير.
وفي تفسير الكواشي حكاية قول إنها مكية عدا آية نزلت بالمدينة، وهي: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون، قائلا: لأن الصلاة، والزكاة فرضت بالمدينة.
ورده البيضاوي على تسليم ذلك بأن فرضها بالمدينة لا ينافي تشريعها بمكة على غير إيجاب... ويتحصل من هذا بأن القائل بأن آية: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.. إلى آخرها نزلت بالمدينة، قاله من قبل رأيه، وليس له سند يعتمد، كما يؤذن به قوله: لأن الصلاة والزكاة إلخ، ثم هو يقتضي أن يكون صدر السورة النازل بمكة: هدى ورحمة للمحسنين... أولئك على هدى من ربهم- إلخ، ثم ألحق به الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون.
وأما القول باستثناء آيتين وثلاث: فمستند إلى ما رواه ابن جرير عن قتادة، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن قوله تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام.. إلى آخر الآيتين، أو الثلاث، نزلت بسبب مجادلة كانت من اليهود أن أحبارهم قالوا: يا محمد أرأيت قوله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلا أردت، قالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها في علم الله قليل، فأنزل الله عليه: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام. الآيات، وذلك مروي بأسانيد ضعيفة.
وعلى تسليمها فقد أجيب بأن اليهود جادلوا في ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بأن لقنوا ذلك وفدا من قريش وفد إليهم إلى المدينة، وهذا أقرب للتوفيق بين الأقوال، وهذه الروايات وإن كانت غير ثابتة بسند صحيح، إلا أن مثل هذا يكتفى فيه بالمقبول في الجملة. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني