السؤال
هل الشخص الذي يدفع فارقًا لبنك من البنوك في قرض يقترض منه يعد مرتكب كبيرة، أو صغيرة؟
مع ملاحظة أنه جاء في الحديث الصحيح: لعن موكل الربا، وجاء فيه أيضًا لعن المحلل والمحلل له في نكاح المحلل، وللشافعية قول بجوازه.
وفيه أيضًا: لعن النائحة والمستمعة، وللحنابلة قول بكراهة النياحة.
وفيه أيضًا: لعن الواشمة والمستوشمة، وللمالكية قول بكراهته. فهل يعد مؤكل الربا كآكله سواء بسواء، أم أن للفقهاء تفصيلًا كما في الأحكام السابق ذكرها؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن ورود اللعنة على عمل ما يجعله أمرًا محرمًا، ويخرج بها عن حيز الصغيرة إلى حيز الكبيرة، ولهذا حد بعض العلماء الكبيرة فقالوا: كل ذنب قرن بوعيد أو لعن، فهو من الكبائر.
وما استدل به السائل ناقلًا أقوال المذاهب استدلال غير صحيح، وكلامه في غير محل النزاع، ذلك أنه لم يقل أحد من أهل المذاهب التي أشار إليها أن لفظة: لعن الله من فعل كذا لا تفيد التحريم، بل كلهم يقولون إن اللعن يفيد التحريم، ولكنهم في المسائل التي ذهبوا إلى جوازها إما أن يكونوا رأوا أن الحديث لا يتناولها: ففي موضوع النياحة مثلًا يقول الحنابلة كما جاء في الإنصاف: ولا يجوز الندب ولا النياحة، هذا المذهب مطلقا، وعليه أكثر الأصحاب، وعنه (رواية عن أحمد) يكره الندب والنوح الذي ليس فيه إلا تعداد المحاسن بصدق.
فهم قائلون بالتحريم للنصوص المحرمة، ولكن هل تدخل تلك الصورة في النهي أم لا؟
وإما أن يكون القائل بعدم التحريم لم يبلغه الدليل، ففي موضوع الوشم عن المالكي: جاء في "الفواكه الدواني" من كتبهم: والنهي عن الوشم للحرمة عام في الرجال والنساء.
قال ابن رشد: وما يحكى من إباحته فمردود لمخالفته، والدليل على حرمة ذلك ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الواصلة.. الحديث قد ذكرنا أن الوشم حرام للظاهر من الحديث حتى صرح ابن رشد وابن شاس بأنه من الكبائر بسبب لعن فاعله. وقال بعض المتأخرين بالكراهة، ويمكن حملها على التحريم. اهـ.
فها أنت ترى أنه لا قائل من العلماء فيما نعلم أن ورود اللعن لا يفيد التحريم، ولكنهم يختلفون لسبب أو لآخر في إنزال النص على هذه الصورة أو تلك.
وبالعودة إلى موضوع إيكال الربا، فإنه لا شك في حرمة إيكال الربا لأمرين:
الأول: أنه وسيلة إلى أكل الربا، وأكل الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، ومعلوم أن الوسيلة تأخذ حكم المقصد.
والثاني: أنه قد صح الخبر في تحريم إيكاله وذلك ما رواه مسلم من حديث جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله.
فلا يمكن القول أن الاقتراض بفائدة مشروطة ليس محرمًا، بل هو الربا المحرم الذي كانت تفعله الجاهلية ونزل القرآن بتحريمه.
والله أعلم.