السؤال
حصلت واقعة، وتم التواصل (تواصل خاص بينهم فقط) ما بين طرفي الواقعة نفسها، وحصل خلاف بينهما.
هل يجوز لأي طرف من طرفي الواقعة طلب الشهادة من ناس حضروا أثناء الواقعة، ولا نعرف هل انتبهوا لها أم لا؟ وناس لم يحضروا الواقعة أصلا (إشهار بالواقعة) بحجة الدفاع عن النفس من دون علم الطرف الآخر أو الاستئذان منه، أو سماع الذين طلبوا منهم الشهادة من الطرف الآخر، والسماع من طرف واحد فقط (مع العلم بأن الواقعة تخص واحدا من طرفي الواقعة فقط، ولا تخص أي أحد من الذين طلب منهم الشهادة)؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في طلب الشهادة ممن يمكنه أن يشهد بالحق لأحد الخصمين، ولو لم يعلم خصمه بطلب الشهادة، ولكنه لا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما علمه.
قال ابن قدامة في المغني: وما أدركه من الفعل نظراً أو سمعه تيقناً وإن لم ير المشهود عليه، شهد به. وجملة ذلك أن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه، بدليل قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وقوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً. وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال، لأن العلم بالفؤاد، وهو يستند إلى السمع والبصر، ولأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع، وهما بالبصر والسمع، وروي عن ابن عباس أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة؟ قال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد، أو دَع. رواه الخلال في الجامع بإسناده. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الأصل في الشهادة أن تكون عن مشاهدة وعيان، لقوله تعالى: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}. وقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {وما شهدنا إلا بما علمنا}. فأخبر سبحانه وتعالى أن الشهادة تكون بالعلم، ولا تصح بغلبة الظن.
ويستدل لذلك بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما - قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس؛ لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس، وأومأ رسول الله بيده إلى الشمس.
وهذا يدل على أن الشهادة يجب أن يكون مستندها أقوى أسباب العلم وهي: المشاهدة، والعلم اليقيني.
لكن الأمور المشهود بها قد تتفاوت فيما بينها في تحصيل العلم بها:
فمنها ما شأنه أن يعاينه الشاهد كالقتل، والسرقة، والغصب، والرضاع، والزنى، وشرب الخمر. فلا يصح أن يشهد الشاهد على هذه الأمور إلا بالمعاينة ببصره.
ومنها أمور لا يصح للشاهد أن يشهد بها إلا بالسماع والمعاينة، وإليه ذهب الجمهور في عقود النكاح، والبيوع، والإجارات، والطلاق؛ لأن الأصوات قد تشتبه، ويكتفي الحنابلة فيها بالسماع إذا عرف المتعاقدين يقينا وتيقن أنه كلامهما.
ومنها ما يحصل علمه بها عن طريق سماع الأخبار الشائعة المتواترة والمستفيضة، كَالنَّسَبِ، وَالْمِلْكِ، وَالْمَوْتِ، وَالْوَقْفِ. فَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى التَّسَامُعِ. اهـ.
والله أعلم.