الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، كما هو الحال هنا، فالسائل لم يذكر نوع الشركة في هذا المحل التجاري، ولا الشرط الذي عقدت عليه، والشركات أنواع، ولكل نوع حكمه!
وعلى أية حال، فالذي يمكننا إفادة السائل به على وجه العموم: أنه إن كان هناك شرط نصي أو عرفي يمنع الشركاء من إدخال شريك جديد في الشركة، فيجب الالتزام به، ومن خالفه كان متعديا، ويلزمه ضمان الخسارة في حصة شريكه.
والقاعدة العامة أن تعدّي الشريك يوجب عليه ضمان الخسارة الحاصلة بسبب تعديه، كما سبق بيانه في الفتوى: 149713.
وأما إذا لم يكن هناك شرط نصي، ولا عرفي يمنع من ذلك، فيختلف الحكم بحسب نوع الشركة المنعقدة بين الشريكين القديمين: إذا كانت شركة عنان، أو شركة مفاوضة.
والفرق بينهما أن شركة المفاوضة تعطي الحق المطلق لكل شريك في التصرف في حضور شريكه وفي غيابه، بينما شركة العنان يكون الشريك فيها مقيدا بإذن الشريك.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الإذن العام من الشريك - كقوله لشريكه: تصرف كما ترى - يغني غناء الإذن الخاص في كل ما هو من قبيل ما يقع في التجارة كالرهن والارتهان والسفر، والخلط بالمال الخاص، وشركة المال مع أجنبي. فمن منع شيئا من ذلك إلا بالإذن، كفى فيه عنده الإذن العام. اهـ.
وجاء في المادة (1379) من مجلة الأحكام العدلية: لكل واحد من الشريكين إيداع، أو إبضاع مال الشركة وإعطاؤه مضاربة، وله أن يعقد إيجارا ...
لكن ليس له أن يخلط مال الشركة بماله، ولا أن يعقد شركة مع آخر بدون إذن شريكه، فإذا فعل وضاع مال الشركة يكون ضامنا حصة شريكه. اهـ.
وجاء في المادة (1382) منها: إذا فوض كل واحد من الشريكين أمور الشركة لرأي الآخر بقوله له: (اعمل برأيك) أو (اعمل ما شئت) فله أن يعمل الأشياء التي هي من توابع التجارة، فيجوز له رهن مال الشركة، والارتهان لأجل الشركة، والسفر بمال الشركة، وخلط مال الشركة بمال نفسه، وعقد الشركة مع آخر. اهـ.
وجاء في «درر الحكام في شرح مجلة الأحكام»: ليس للشريك عنانا أن يخلط مال الشركة بمال نفسه وأن يعقد الشركة عنانا، أو مفاوضة مع آخر، فإذا فعل وضاع مال الشركة يضمن حصة شريكه؛ لأن الشيء لا يستتبع مثله ...
أما الشركاء شركة مفاوضة فلكل واحد منهم أن يعقد شركة عنان مع أجنبي بلا إذن الآخر ...
فإذا عقد أحد المفاوضين شركة عنان على هذا الوجه، كانت حصة الربح العائدة إليه من تلك الشركة مشتركة بينه وبين شريكه المفاوض، وكذلك لأحد المفاوضين أن يعقد شركة مفاوضة مع آخر بإذن شريكه. اهـ.
ويختلف الحكم كذلك بحسب نوع الشركة التي وقعت بين أحد الشريكين القديمين، وبين الشريك الجديد. فإن كان يُطلق يده في مال الشركة القديمة فلا تجوز إلا بإذن الشريك القديم.
جاء في «المدونة»: قلت: أرأيت لو أن شريكين متفاوضين، شارك أحدهما شريكا آخر فاوضه بمال بغير أمر شريكه، أيجوز ذلك على شريكه أم لا؟ قال: إن كان إنما يشاركه شركة ليست بشركة مفاوضة، مثل السلعة يشتركان فيها، أو ما أشبه ذلك، فذلك جائز؛ لأن ذلك تجارة من التجارات، وإن كان إنما يشاركه شركة مفاوضة، حتى يكون شريكا لهم في أموالهم وتجاراتهم يقضي في ذلك، فلا يجوز ذلك له إلا بإذن شريكه. اهـ.
وجاء في اختصار المدونة: لا يجوز لأحدهما أن يفاوض شريكاً إلا بإذن شريكه، وأما إن شاركه في سلعة بعينها غير شركة مفاوضة فجائز. اهـ.
والله أعلم.