السؤال
أنا في سن الثامنة عشرة، وأنا طالب، وليس لديَّ أيُّ دخل، أو سكن خاص، أعيش مع والديَّ. كنت على علاقة بامرأة، لفترة معينة، ولكن قررنا قطع الاتصال؛ لكي لا نعصي الله بعد الآن، ونتوب. أوَدُّ أن أتزوج هذه المرأة، ولكن نحن شباب، وليس لدينا القدرة على العيش المشترك، وأنا غير قادر على تلبية احتياجاتها، ومع ذلك نود حقًّا أن نتزوج؛ لحفظ عفتنا، وحماية أنفسنا من الشر الذي قد يصيبنا.
تحدثت مع والدها، وقال لي: إنه ليس ممكنًا ما لم أستطع تحمل مسؤولية مالية لابنته، يستند رأيه إلى عدة نقاط، بما في ذلك الآية 33 من سورة النور: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ" بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى الحديث التالي: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ، فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
في سعيي للحفاظ على النقاء، والتقوى، أود معرفة أي الخيارات هي الأفضل بالنسبة لنا: الصبر حتى يمنحنا الله القدرة على الزواج؟ أم الزواج، والعيش منفصلين حتى يمنحنا الله الغنى؟ هل يجب عليّ أن أصر على والدها؟ أم أصبر، حتى أتمكن من تحمل المسؤولية المالية للزواج؟ وهل الحالة المالية شرطٌ للزواج؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنتما بقطع التواصل بينكما، والواجب عليكما التوبة مما سبق، والحذر من كل ما يقود إلى الفتنة في المستقبل، ولمعرفة شروط التوبة راجع الفتوى: 5450.
والقدرة المالية في النكاح مطلوبة شرعا؛ لأن النكاح يتعلق به حقوق للمرأة كالمهر، والنفقة، ولذلك ذكر أهل العلم أن النكاح يستحب في حق من ترغب نفسه في النكاح، ويملك مؤنته، مستدلين بحديث ابن مسعود الذي أشرت إليه.
قال الشربيني في مغني المحتاج: هو مستحب، لمحتاج إليه، بأن تتوق نفسه إلى الوطء.... يجد أهبته، وهي مؤنة من مهر، وكسوة فصل التمكين، ونفقة يومه.... تحصينا لدينه، ولما فيه من بقاء النسل، وحفظ النسب، وللاستعانة على المصالح، ولخبر الصحيحين: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء... انتهى.
وأما من يرغب في النكاح، ولا يجد مؤنته، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب له تركه، وقد استدلوا على ذلك بآية سورة النور التي أشرت إليها، فمن تمام كلام الشربيني السابق: فإن فقدها.... أي عدم الأهبة، استحب له تركه؛ لقوله تعالى:{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33} ... انتهى.
ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يستحب له النكاح؛ لعموم الأدلة، قال ابن قدامة في المغني: وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين القادر على الإنفاق، والعاجز عنه، وقال: ينبغي للرجل أن يتزوج، فإن كان عنده ما ينفق أنفق، وإن لم يكن عنده صبر، ولو تزوج بشرٌ كان قد تم أمره... انتهى، ويمكن مطالعة كلامه بتمامه في الفتوى 466525.
وفي نهاية المطاف إن تيسر زواجك منها، فذاك وإلا، فدعها، واصبر، وأقبل على ما يعينك على العفاف من الصوم، وغيره حتى ييسر الله أمرك.
قال القرطبي في تفسيره: من تاقت نفسه إلى النكاح، فإن وجد الطول، فالمستحب له أن يتزوج، وإن لم يجد الطول، فعليه بالاستعفاف، فإن أمكن، ولو بالصوم، فإن الصوم له وجاء، كما جاء في الخبر الصحيح.... انتهى.
وقولك:( أم الزواج، والعيش منفصلين حتى يمنحنا الله الغنى؟) نقول تعليقا عليه: إن المبيت، والمسكن، ونحوهما من حقوق المرأة، فإن تنازلت عن شيء منها، فلها ذلك؛ فصاحب الحق إن أسقطه سقط.
والله أعلم.