الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإليك الجواب عما تيسر من أسئلتك:
الجن تستطيع الظهور للإنسان بشكل غير شكلها الحقيقي كما يفيده حديث البخاري في قصة رؤية أبي هريرة، الشيطان في صورة رجل، قال ابن حجر في الفتح: فيه أنه قد يتصور ببعض الصور فتمكن رؤيته وأن قول الله تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27]، كما إذا كان على صورته التي خلق عليها، ولا نعلم آية ولا حديثاً تبين شكلهم الحقيقي، ولكن ثبت في الأحاديث ذكر بعض أشكالهم التي يتشكلون عليها، ففي الحديث: الجن ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرن في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.م
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر: الكلب الأسود شيطان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم فيتصورون في صور الحيوانات والعقارب وغيرها وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفي صور الطير وفي صور بني آدم كما أتى الشيطان قريشاً في صورة سراقة بن مالك لما أرادوا الخروج إلى بدر، ... وكما روى أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة.
وأما المس فهو ثابت وكذا تأذي الإنسان بسببه ويدل عليه قول الله تعالى:الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، قال القرطبي في تفسيرها: في هذه الآية دليل على فساد قول من أنكر الصرع من جهة الجن ويدل عليه ما رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى غلاماً كان مصاباً، فقد روى أحمد في مسنده عدة قصص من ذلك، وفي الصحيحين أن امرأة كانت تصرع فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن الذي كان بها من صرع الجن.
وفي الصحيحين من حديث صفية أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.، قال ابن حجر الهيثمي: وبه يرد على من أنكر سلوكه في بدن الإنسان كالمعتزلة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة وهو أمر مشهود محسوس لمن تدبره، يدخل في المصروع ويتكلم بكلام لا يعرفه.
وذكر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: قلت لأبي: إن أقواماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنس، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه.
وذكر عن أبي الحسن الأشعري أنه قال: أهل السنة والجماعة يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، والجن قد يتسلطون على الناس ظلماً في حالة غضب الإنسان أو غفلته الشديدة أو انكبابه على الشهوات أو عند الخوف كذا ذكره. وحيد عبد السلام بالي في كتابه وقاية الإنسان من الجن والشيطان.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن الجن قتلوا غلاماً من الأنصار أيام الخندق لما قتل حية، وقد يستخدم الساحر الجن فيرسلهم إلى بعض الناس أيضاً كل ذلك واقع.
وأما اطلاع الجن على ما يفكر به الناس فغير واقع لأن ما في القلوب غيب لا يعلمه إلا العليم بذات الصدور، وهو تعالى القائل: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:179]، والقائل:عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [الجن:26-27].
وكذلك الإنس لا يستطيعون الاطلاع على ما في الصدور فلا يعلم أحد ما يدور بقلب أو بفكر رجل آخر ولا أن يرسل فكرة إلى قلب آخر، وأما فهم شخص إشارة أو تصرفاً من آخر أو تفرسه فيه فقد يقع، وأما تحدث الجن مع الناس فثابت فقد تحدث الجني مع أبي هريرة كما في حديث البخاري في قصة سرقته من الصدقة وإخباره له عن فائدة قراءة آية الكرسي عند النوم، وقد يقع ذلك منهم ظاهراً وقد يتحدثون مع الناس وهم مستترون، وراجع الفتوى رقم 47080، والفتوى رقم: 35534.
والله أعلم.