السؤال
اتهمني زوجي بخيانته، كذبا، وقام بنشر ذلك بين الناس؛ مما سبب لي أذى كبيرا. وقد أنكر ابنته، ولا يريد رؤيتها إلى اليوم، ونحن في إجراءات الطلاق، ولكنه أنكر سبب الطلاق أمام القاضي خوفا من العقوبة القضائية. وهو حاليا مريض بالسرطان، وقد أخبر القاضي أنه مرض بسبب المشاكل التي سببتها أنا له، وقد صدَّقه القاضي. وأنا لم أستطع إثبات أنه اتهمني في شرفي، فليس لدي دليل مادي حسب قول القاضي.
هل يعتبر مرضه حكما إلهيا، لأني في حالة لا يعلمها إلا الله، أحس بظلم وحرقة شديدة بسبب ظلمه وظلم القاضي لي في انحيازه له، والرجوع علي باللوم؛ لأني تركته في مرضه، ولكن الأصل أنه هو من رماني في شرفي وتركني. وبعدها بعام مرض بالسرطان.
هل من حق القاضي أن يسيء إليَّ هكذا، لم يرد حتى الاستماع إلى ما فعله بي، بمجرد أن دخل زوجي إلى قاعة المحكمة وهو مريض، ألقى اللوم علي، وقال لي: أنت المذنبة بتركك لزوجك في هذه الحالة، رغم أنه مرض بعد انفصالنا بدون طلاق لمدة عام، والقضية في المحكمة، ثم مَرِض بعد ذلك.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة محل السؤال، تتضمن دعاوى وخصومات، والنظر فيها إنما هو للقضاء. وقد ذكرت في السؤال أنها عُرِضت على القاضي، وأنه قد حكم فيها، فلا كلام لنا بخصوصها.
وما يمكننا قوله على وجه العموم هو: أن ما ولد على فراش الزوجية، يثبت نسبه ويلحق بالزوج، إلا أن ينفيه بلعان، كما ذكر أهل العلم.
مستدلين على ذلك: بما رواه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش.
قال النووي في شرحه: معناه أنه إذا كان للرجل زوجة، أو مملوكة صارت فراشا له، فأتت بولد لمدة الإمكان منه، لحقه الولد، وصار ولدا له. يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة.... اهـ.
هذا أولا.
ثانيا: أن الأصل في المسلم السلامة، فلا يجوز اتهامه بما يشين من غير بينة، فقد جاء الشرع بالنهي عن سوء الظن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}.
ويتأكد هذا الأمر في حق الزوجين؛ لما بينهما من هذه العلاقة التي سمَّاها الشرع بالميثاق الغليظ.
ثالثا: لا يلزم أن تكون المصيبة مرضا كانت أم غيره عقوبة على ذنب، فقد تكون ابتلاء من الله لعبده، فهو -سبحانه- يبتلي عباده بالخير والشر بمقتضى حكمته، قال عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.
وعلى أية حال فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، وإذا كُنتِ مظلومة في واقع الأمر -كما ذكرت- فلن يضيع أجرك عند الله تعالى. وستجدين حقك ممن ظلمك إذا لم تسامحيه. إلا أننا ننصحك بالصبر والمسامحة، فإن ذلك أكثر لك أجراً عند الله، يقول الله جل وعلا: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}، ويقول في نفس السورة: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}.
والله أعلم