السؤال
خالي -رحمه الله- مريض بالسكر، وعنده جلطات في المخ، وأمراض أخرى، وعمره 56 عامًا، ويأخذ الأنسولين، وكان لا يستطيع أن يحرّك من جسده إلا ذراعه ورأسه تحريكًا يسيرًا جدًّا، قبل ثلاثة أيام تعب، ولم يستطع الأكل، ولا الكلام بشكل جيد، فقال أحد أقاربه: علّقوا له جلوكوزًا، وهو ليس بطبيب؛ فلجهل أهله فعلوا ذلك؛ فدخل خالي في غيبوبة لمدة يوم، وبعد ذلك توفي، والظاهر -والعلم عند الله- أن وفاته بسبب ما فعلوه، ولكننا لسنا متأكدين من ذلك، فهل هذا يعد قتلَ خطأٍ؟ جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم ميتكم، وموتى المسلمين.
والحكم بأن ما فعلتموه كان سببًا لموت خالك، أو لم يكن كذلك، يحتاج إلى تحقيق في الواقعة، وإلى رأي أهل الاختصاص فيها.
وعلى كل حال؛ فإذا ثبت أن موته كان بسبب الخطأ في إعطائه تلك الجرعة؛ فإن ذلك يعدّ قتل خطأ، فمن أعطى الميت تلك الجرعة؛ يضمن جنايته؛ فتجب الدية على عاقلته، وقيل: بل في ماله، وتجب عليه كفارة القتل أيضًا، جاء في شرح الزرقاني: (كطبيب) أي: مداوٍ في زعمه، فلا ينافي قوله (جهل) علم الطب في تجربة علاج شخص، ولم يقصد ضررًا؛ فيضمن موجب فعله عليه، وعلى عاقلته.
(أو) لم يجهل، ولكن (قصّر) كأن أراد قلع سن، فقلع غيرها خطأ، أو تجاوز بغير اختياره الحد المعلوم في الطب عند أهل المعرفة، كأن زلّت أو ترامت يد خاتن، أو سقى عليلًا دواء غير مناسب للداء معتقدًا أنه يناسبه وقد أخطأ في اعتقاده؛ فيضمن ما ذكر في ماله؛ لأنه عمد، لا قصاص فيه.
ومفهوم جهل أو قصر: أنه إن علمه ولم يقصّر، بل فعل ما يناسب المرض في الطب، ولكنه نشأ عنه تلف، أو عيب؛ فلا ضمان عليه، إلا أن يقصد هو، أو الجاهل، أو المقصّر الضرر؛ فيقتص منه.
وإنما لم يقتصّ من الجاهل، حيث لم يقصد الضرر، بل ما نشأ من فعله في ماله، ولو بلغ ثلث الدية، أو أكثر؛ لأنه إنما قصد نفع العليل، أو رجا ذلك، والأصل عدم العداء، إن ادّعى عليه العداء.
(أو) داوى (بلا إذن معتبر) فيضمن ما سرى، ولو أصاب وجه العلم، أو الصنعة. اهـ.
وانظر الفتويين: 109416، 110548.
وضمان الجناية على من باشر إعطاء الجرعة، لا على من تسبّب في ذلك برأي ومشورة؛ لأن المباشرة تلغي حكم السبب، وانظر الفتوى: 223279.
وأما في حال الشك وعدم ثبوت التسبّب في موته؛ فإن الأصل هو براءة الذمّة، ولا تجب حينئذ كفارة، ولا دية، قال ابن حزم في المحلّى: إن شَكَّت أمات من فعلها أم من غير فعلها؟ فلا دية في ذلك، ولا كفارة؛ لأننا على يقين من براءتها من دمه، ثم على شَكٍّ أمات من فعلها أم لا، والأموال محرمة إلا بيقين. اهـ.
وقال الجويني في غياث الأمم: كل ما أشكل وجوبه؛ فالأصل براءة الذمّة فيه، كما سبق في حقوق الأشخاص المعينين؛ فهذا منتهى المقصود فيما يتعلق بالأملاك من المعاملات، والحقوق الخاصة، والعامة. اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه، وحقوق العباد، إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ.
والله أعلم.