السؤال
لي صديق نصراني مرض، وتم الاتصال بي، وطلب مني دفنه على طريقه العرب والمسلمين، وقمت بذلك.
ولكن ما زلت في حيرة من أمري حيث إني لم ألقنه الشهادة، أو أسأله: هل تريد الإسلام؟ لأني كنت مصدوما، ولا أعلم هل اقترب للإسلام، أو طلب هذا الأمر؛ لأنه أعجب به، ولا يريد التكلفة. هل سوف يحاجني أني لم أقل له الشهادة؟
هذا الموقف له أكثر من شهرين، ولا زلت لا أستطيع أن أجد لنفسي عذرا. أو أستطيع النوم جيدا، ولقد رأيته في المنام مرتين.
هل أترحم عليه؟ هل أتبرع له وأتصدق عنه، من باب إن كان دخل قلبه الإسلام؟
دفنته كما يُدفن المسلمون بدون غسل أو صلاة، فقط دعوت له. وأزور قبره من فترة لفترة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فههنا مسائل:
إحداها: أنه كان ينبغي لك عرض الإسلام على هذا النصراني، لعل الله أن يهديه ويتوب عليه.
وأما إذ لم تفعل، فنرجو ألا إثم عليك، فإنه مما لا شك فيه أنه عرف الإسلام وسمع به.
والثانية: أن الأصل أنه مات على الكفر ما لم يعلم خلاف ذلك، ومن ثم فإنه يعامل في أحكام الدنيا معاملة الكفار، فلا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدعى له ولا يستغفر له؛ لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}.
والثالثة: أن زيارة قبره جائزة للاتعاظ والاعتبار؛ فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه، فبكى وأبكى.
والرابعة: أن دفنك له لا يجوز، كما نص على ذلك فقهاء الحنابلة.
قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَيَحْرُمُ أَنْ يُغَسِّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَلَوْ قَرِيبًا، أَوْ يُكَفِّنَهُ، أَوْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، أَوْ يَتْبَعَ جِنَازَتَهُ، أَوْ يَدْفِنَهُ). لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13]. وَغُسْلُهُمْ وَنَحْوُهُ: تَوَلٍّ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ، وَتَطْهِيرٌ، فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ غُسْلَهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرَهُ، فَيُوَارَى عِنْدَ الْعَدَمِ) لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَمَّا أُخْبِرَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعَلِيٍّ: اذْهَبْ فَوَارِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. انتهى.
وهذا هو مذهب المالكية أيضا، وذهب الشافعية إلى جواز أن يدفن المسلم الكافر، لكن لا يجوز دفنه في مقابر المسلمين.
وانظر الفتوى: 77957.
وعلى هذا، فكان الأولى بك ترك تولي دفنه، وأن يتولى دفنه قرابته الكفار، خروجا من الخلاف.
والله أعلم.