السؤال
كيف أجمع بين الحديث الصحيح: كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وكلام الله في سورة فصلت: وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ.
فما حكمة الله من كتابة مقادير الخلائق كلها، ومن ثم كتابة مقادير الإنس والجن والدواب (مخلوقات الأرض) مع أنهم من الخلائق؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتقدير في قوله تعالى: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ {فصلت:10}، ليس بمعنى القضاء والقدر السابق على الوجود، بل معناه الخلق الفعلي وإيجاده التفصيلي.
قال الشيخ محمد الأمين الهرري في «تفسير حدائق الروح والريحان»: {وَقَدَّرَ فِيهَا} أي: وأوجد في الأرض. اهـ.
وقال الشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان): التقدير والخلق في لغة العرب، معناهما واحد. اهـ.
وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): المقدار: النصاب المحدود بالنوع أو بالكمية، فمعنى (قدَّر فيها أقواتها) أنه خلق في الأرض القوى التي تنشأ منها الأقوات، وخلق أصول أجناس الأقوات وأنواعها ... ومن التقدير: تقدير كل نوع بما يصلح له من الأوقات من حر أو برد، أو اعتدال. اهـ.
وعلى افتراض أن هذا التقدير معناه كتابة القدر، فليس هناك تعارض ولا تناقض، ويكون ذلك شبيها بتنوع كتابة قدر الإنسان. فإن هذه الكتابة ليست نوعا واحدا، بل كتابات متعددة لا يناقض بعضها بعضا، فهناك الكتابة العامة التي كانت قبل الخلق بخمسين ألف سنة، وهناك الكتابة العمرية للجنين وهو في بطن أمه، وهناك الكتابة الحولية في ليلة القدر، هذا بخلاف الكتابة اليومية التي يراد بها تنفيذ كل ذلك إلى مواضعه، وراجع في ذلك الفتوى: 327592.
والله أعلم.