السؤال
سيدي المفتي جزاك الله خيرا
أما بعد ..
فإنني قد جرت العادة عندي في كل سنة أن أعزم جميع أخواتي المتزوجات وأزواجهم وأولادهم وبعض الأقارب والأنساب وذلك في ثالث أيام عيد الأضحى أي يوم الثاني عشر من ذي الحجة حيث أقوم بذبح ما يسر لي الله من الغنم و أقيم مأدبة كبيرة لمن عزمتهم ولكني لا أقوم بتوزيع أي شيء من اللحم و إنما يقدم كله في المأدبة.
حيث إني انوي بذلك أضحية من باب أن الأقارب هم أولى لقوله تعالى الأقربون أولى بالمعروف.
فهل يجزئ فعلي ذلك عن الأضحية أم أنه يجب علي أن أضحي بذبح آخر وأقوم بتوزيع لحمه.
وجزاكم الله خير الدنيا وثواب الآخرة
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ورد الأمر بالتصدق من لحوم الأضاحي في قوله صلى الله عليه وسلم: فكلوا وادخروا وتصدقوا. متفق عليه. ووجوب الصدقة من الأضحية هو مذهب الشافعية والحنابلة.
فإذا كان في أقاربك أو أصهارك الذين دعوتهم إلى تلك المأدبة فقراء، فلا حرج عليك فيما صنعت، وإن كان الأولى توزيع شيء من لحم الأضحية على الفقراء خروجا من خلاف من أوجب تمليك الفقير شيئا من لحم الأضحية ولم ير جواز الاكتفاء بدعوة الفقير للأكل منها وإن لم يكن فيهم فقراء فيجب أن تشتري أقل ما يسمى لحما كأوقية وتتصدق به، ولعل من المناسب أن ننقل لك من كلام أهل العلم ما يوضح ما ذكرنا:
قال الإمام النووي وهو شافعي، في شرحه لصحيح مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم: فكلوا وادخروا وتصدقوا: هذا تصريح بزوال النهي عن ادخارها فوق ثلاث، وفيه الأمر بالصدقة منها والأمر بالأكل، فأما الصدقة منها إذا كانت أضحية تطوع، فواجبة على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها، ويستحب أن تكون بمعظمها، قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث...
وقال النووي أيضا في كتابه "المجموع شرح المهذب": وهل يشترط التصدق منها بشيء أم يجوز أكلها جميعا، فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما، أحدهما: يجوز أكل الجميع، قاله ابن سريج وابن القاص والإصطخري وابن الوكيل، وحكاه ابن القاص عن نص الشافعي، قالوا: وإذا أكل الجميع ففائدة الأضحية حصول الثواب بإراقة الدم بنية القربة.
والقول الثاني وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين وهو الأصح عند جماهير المصنفين، ومنهم المصنف في التنبيه يجب التصدق بشيء يطلق عليه الاسم، لأن المقصود إرفاق المساكين، فعلى هذا إن أكل الجميع لزمه الضمان، وفي الضمان خلاف (المذهب) منه أن يضمن ما ينطلق عليه الاسم.
وقال البهوتي وهو حنبلي، في كتابه "كشاف القناع": (فإن أكل أكثر) الأضحية أو أهدى أكثرها (أو أكلها كلها) إلا أوقية تصدق بها جاز، (أو أهداها كلها إلا أوقية جاز، لأنه يجب الصدقة ببعضها) نيئا على فقير مسلم لعموم "وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ" (فإن لم يتصدق بشيء) نيء منها (ضمن أقل ما يقع عليه الاسم) كالأوقية (بمثله لحما)، لأن ما أبيح أكله لا تلزمه غرامته، ويلزمه غرم ما وجبت الصدقة به، لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه فلزمته غرامته إذا أتلفه كالوديعة.
وننبهك إلى أن قولك: لقوله تعالى "الأقربون أولى بالمعروف" خطأ، فليس هناك آية بهذا اللفظ، بل لم يثبت هذا اللفظ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب "كشف الخفاء" وفي "أسنى المطالب": اشتهر على الألسنة: الأقربون أولى بالمعروف. وليس بحديث خلافا لمن زعمه، لكن شهد له قصة أبي طلحة وقوله تعالى:
يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (البقرة: 215) .
ونص الألباني في السلسة الضعيفة على أنه لا أصل له، وقد ذكره فيها برقم 555.
والله أعلم.