السؤال
سمعت أحد الشيوخ في درس له عن الزواج يقول: "إن من قوام الأسرة السعيدة معرفة الزوجين لسبب وجودهما في الحياة، ولماذا خُلِقَا"، ولكنه لم يقف كثيرًا للإسهاب في الإجابة عن هذا السؤال؛ لأنه لم يكن موضوع الدرس، وقد استوقفني سؤاله كثيرًا، وحاولت أن أعرف الإجابة، فأنا أعلم أن هناك سببًا عامًّا لخلق الإنسان، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، وهناك أيضًا سبب خاص أشار إليه الرسول الكريم في حديثه: "اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له"، وما لا أعلمه هو سبب وجودي أنا تحديدًا؛ فأنا -ككثير من الخلق- مقصّر في عبادة الله، ولا أعبده حق عبادته، فهل يحرم سؤالي هذا، خصوصًا أن الله عز وجل لا يُسأل عما يفعل؟ وهل يكفي ذلك للقاء الله سبحانه، والرجوع إليه دون العلم بالإجابة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الغاية المحبوبة لله، والتي خلق من أجلها الإنس والجن؛ هي عبادة الله سبحانه، وطاعته، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، والمقصود بهذا الآية الإرادة الشرعية الدينية التي يحبّها الله من العباد.
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له. كما جاء في الصحيحين عن علي -رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فأخذ شيئًا، فجعل ينكت به الأرض، فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة. قالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا، وندع العمل!؟ قال: اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له: أما من كان من أهل السعادة، فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى [الليل:6] الآية.
فالمراد به الإرادة الكونية، وهي ما يصير العباد إليه من سعادة، أو شقاوة، قال ابن تيمية: فمن كان سعيدًا، ييسر للأعمال الصالحة التي تقتضي السعادة؛ ومن كان شقيًّا، ييسر للأعمال السيئة التي تقتضي الشقاوة؛ وكلاهما ميسر لما خلق له: وهو ما يصير إليه من مشيئة الله العامة الكونية التي ذكرها الله سبحانه في كتابه في قوله تعالى {ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}. وأما ما خلقوا له من محبة الله ورضاه، وهو إرادته الدينية التي أمروا بموجبها؛ فذلك مذكور في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وقال أيضًا: يجوز أن يقال: إن الله إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه؛ فإنه هذا هو الغاية التي أرادها منهم بأمره، وبها يحصل محبوبه، وبها تحصل سعادتهم ونجاتهم، وإن كان منهم من لم يعبده، ولم يجعله عابدًا له...
ويجوز أيضًا أن يقال: {ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، فإنه أراد بخلقهم صائرون إليه من الرحمة والاختلاف.
ففي تلك الآية ذكر الغاية التي أمروا بها، وهنا ذكر الغاية التي إليها يصيرون، وكلاهما مرادة له، تلك مرادة بأمره، والموجود منها مراد بخلقه وأمره، وهذه مرادة بخلقه، والمأمور منها مراد بخلقه وأمره.
وهذا معنى ما يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في قوله: {إلا ليعبدون}، قال: معناه إلا لآمرهم أن يعبدوني. اهـ. من درء تعارض العقل والنقل.
وبعد هذا؛ فأنت -كسائر الناس- خُلقت من أجل أن تعبد الله سبحانه، وتطيعه، وتستجيب لأمره، وهذه هي الغاية التي أُمرت بها، ومعرفة هذه الغاية هي المقصودة من كلام الشيخ الذي ذكرته عن قوام الأسرة السعيدة.
وأما الغاية التي ستصير إليها من شقاوة، أو سعادة، فهذه لا يعلمها إلا الله سبحانه.
والله أعلم.