السؤال
قال الله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون). وقصة هذه الآية معلومة لديكم أيها الفضلاء -بارك الله فيكم-.
لكن لماذا يمنع الله إرسال الآيات إلى كفار قريش؛ لأن السابقين لم يؤمنوا بها؟ ما ذنبهم أن الذين من قبلهم كانوا مكذبين؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعنى أن الله تعالى علم أنه إن أرسل إليهم آية كذبوا بها، فاستحقوا الهلاك، كما استحقه من كان قبلهم من المكذبين، ومن ثَمَّ كان عدم إرساله آية لهم من الرحمة بهم، عكس ما تتصوره.
قال القرطبي: قوله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون (في الكلام حذف والتقدير: وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا بها، فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم. قال معناه قتادة وابن جريج وغيرهما. فأخر الله تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن، وفيهم من يولد مؤمنا، وقد تقدم في الأنعام وغيرها أنهم طلبوا أن يحول الله لهم الصفا ذهبا، وتتنحى الجبال عنهم، فنزل جبريل وقال: إن شئت كان ما سأل قومك، ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا، وإن شئت استأنيت بهم، فقال: لا بل استأن بهم. انتهى
وقال السعدي: يذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون، وأنه ما منعه أن يرسلها إلا أن يكذبوا بها، فإذا كذبوا بها عاجلهم العقاب، وحلَّ بهم من غير تأخير، كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها. انتهى بتصرف.
فعدم إرسال آية لهم هو رحمة منه تعالى بهم؛ لأنهم إن جاءتهم آية كذبوا كما كذب من كان قبلهم، وقد علم الله تعالى ذلك، فإن كذبوا كما كذب من كان قبلهم نزل بهم العذاب.
قال القاسمي: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ أي التي يقترحها قريش: إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ أي إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم. كعاد وثمود. وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، فاستوجبوا الاستئصال. على ما مضت به السنّة الإلهية. وقد قضينا أن لا نستأصلهم، لأن منهم من يؤمن، أو يلد من يؤمن. انتهى.
والله أعلم.