السؤال
قرأت عن الديانة الصابئة، ووجدت أنهم يقولون: لا إله إلا الله، ولا يشركون بالله شيئًا قط، وأن أركان دينهم هي نفسها أركان الإسلام، ولهم قبلة يصلون إليها، وهي نجم قطب الشمال، وتشبه إلى حد ما صلاتنا نحن المسلمين، ويؤمنون بالأنبياء، والملائكة، ويؤمنون أيضًا بأن خاتم الأنبياء هو يحيى بن زكريا، كما هو موجود في كتبهم المقدسة، فما هو موقف الإسلام من هذه الديانة؟ وهل سيدخلون الجنة أم النار؟ ولماذا؟ ومن المعروف بأنه يقال: إن سيدنا محمدًا كان صابئيًّا قبل الدعوة، فهل صح ذلك أيضًا؟ جزاكم الله كل خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالصابئة ليست ملة واحدة، بل هم أنواع، وانظر الفتوى: 23568.
وعلى فرض صحة ما نقله السائل عن معتقدات إحدى فرق الصابئة، فهم كفار يستحقون النار، مثلهم مثل كل من كفر بالقرآن، وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتبعه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
قال النووي في شرح مسلم: إنما ذكر اليهودي، والنصراني تنبيهًا على من سواهما؛ وذلك لأن اليهود، والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتاب له أولى. اهـ.
وقال البيضاوي في شرح مصابيح السنة: الموجب لتخصيصهما دفع التخصيص فيهما, والإشعار على سائر حال الكفرة بالوجه الآكد الأبلغ, فإنه لما كان لمتوهِّم تخصيص ذلك لمن لم يكن أهل الكتاب, ويتوقع للكتابي بسبب ما له من الإيمان بنبيه، والاستسلام لشرعه خلاصًا ونجاة، نص على أنهم - وإن كانوا أصحاب شرع -، فإنه -لكونه منسوخًا- لا ينفعهم، ولا يغنيهم, ولا محيص لهم عن الإيمان. اهـ.
هذا، وقد نصّ القرآن على كفر من لم يؤمن بالقرآن، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من أهل النار، قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {البقرة:121}، وقال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ {هود:17}، يعني القرآن.
وفي حديث الشفاعة الطويل عن أنس، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب، ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن. أي: وجب عليه الخلود. متفق عليه.
وقد تعرض ابن رجب في كتاب: التخويف من النار؛ لبيان سبب قلة أهل الجنة، وكثرة أهل النار، فقال: فهذه الأحاديث، وما في معناها، تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار، وتدل أيضًا على أن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم، وغير أتباع الرسل كلهم في النار، إلا من لم تبلغه الدعوة، أو لم يتمكن من فهمها، على ما جاء فيه من الاختلاف، والمنتسبون إلى أتباع الرسل كثير، منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل، وهم أيضًا من أهل النار، كما قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} .... اهـ. وانظر الفتوى: 41042.
وأما ما ذكره السائل من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صابئًا قبل مبعثه، فباطل, وإنما المعروف عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان حنيفيًّا على دين إبراهيم الخليل، قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد: يذكر أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد قبل البعثة على دين الحنيفية ... اهـ.
والله أعلم.