السؤال
في الفتوى رقم: 225964. قلتم إن النكت حرام لأنها كذب، ولكن مستمع النكتة يعرف غالبا أنها خيالية، ولذلك هل يمكن أن نحمل معنى الحديث على إذا كان المستمع يظن أنها حقيقية.
في الفتوى رقم: 225964. قلتم إن النكت حرام لأنها كذب، ولكن مستمع النكتة يعرف غالبا أنها خيالية، ولذلك هل يمكن أن نحمل معنى الحديث على إذا كان المستمع يظن أنها حقيقية.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النكت الخيالية المفتعلة التي يعلم سامعها أنها غير واقعية: هي في حقيقتها أقرب إلى ضرب المثل، وإن كانت صورتها في الظاهر صورة الخبر.
والكذب إنما يدخل في الأخبار ونحوها، وأما الأمثال فهي من قبيل الإنشاء الذي لا يدخله الصدق ولا الكذب أصلا.
وبناء على ذلك: فإن النكت الخيالية المفتعلة التي يعلم سامعها أنها غير واقعية، لا سيما إن كانت تخترع، أو تقص لمصلحة مرجوة، كاستعمالها وسيلة للتربية والتعليم، ونحو ذلك، ليست داخلة في الوعيد الوارد في الكذب لإضحاك الناس، لأنها ليست كذبا أصلا.
وفي مقامات الحريري التي تلقاها العلماء بالقبول حجة بينة على أن ما كان من قبيل ضرب الأمثال، فإنه ليس من الكذب، جاء في كتاب التراتيب الإدارية للكتاني: وفي الدر المختار في شرح تنوير الأبصار، للعلامة الحصكفي الدمشقي من كتب فقه الحنفية حديث: حدثوا عن بني إسرائيل، يفيد حل سماع العجائب والغرائب من كل ما لا يتيقن كذبه، بقصد الفرجة لا الحجة؛ بل وما يتيقن كذبه، لكن بقصد ضرب الأمثال والمواعظ، وتعليم نحو الشجاعة على لسان آدميين أو حيوانات. ذكره ابن حجر. اهـ.
قال الشمس ابن عابدين في حواشيه عليه، المسماة رد المحتار على قوله: لكن بقصد ضرب الأمثال، وذلك كمقامات الحريري، فإن الظاهر أن الحكايات التي فيها عن الحارث بن همام والسروجي لا أصل لها. وإنما أتى بها على هذا السياق العجيب لما لا يخفى على من طالعها، وهل يدخل في ذلك مثلا قصة عنترة والملك الظاهر، إذا قصد به ضرب الأمثال ونحوها فيحرر. اهـ.
قلت: ومنه قصص ألف ليلة وليلة، وألف يوم ويوم، فكل ذلك من معنى ما ذكر وأمثاله، مما يقصد به زيادة على تنشيط النفس العلم بماجريات من سبق، لأن القصص وإن كانت خرافية، فلا تخلو من إفادة عن حال واضعيها ومدونيها، أو من دوّنت على لسانهم. والله أعلم.
وفي فتاوى ابن حجر الهيثمي: مقامات الحريري على صورة الكذب ظاهرا، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، وإنما هي ضرب الأمثال، وإبراز الطرق الغريبة والأسرار العجيبة، والبديع الذي لم ينسج على منواله، ولا خطر بفكر أديب، فشكر الله سعي واضعها، ومن أطلق عليها الكذب استهزاء بما فيها من العلوم كفر: فقد قال الأئمة من قال: قصعة من ثريد خير من العلم إنه يكفر، فإذا كفر بهذا سواء قصد استهزاء أم لا. فما ظنك بمن يستهزئ بالعلم ويجعله كذبا. اهـ. انتهى النقل بطوله.
وقد قال ابن جبرين: تُطلق الطرائف على الحكايات الغريبة، والغالب أنها تكون واقعية، وقد تكون خيالية يُقصد منها ضرب المثل، كما فعل الحريري في مقاماته، وكذا غيره ممن كتب في هذه الطرائف، ولكن ورد النهي عن الكذب لأجل إضحاك الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يُحدث فيكذب ليضحك الناس، ويل له، ويل له. فأما إذا عرف الحاضرون أن هذا تخيل ليس بواقع، ولكن يُمكن أن يقع، فيكون فيه تحذير مما قد يقع مثل ذلك، أو فيه استعداد لمثل هذه الوقائع، فيكون ذلك على الإباحة. اهـ.
وأما تقييد إباحة الأحاديث المفتعلة التي هي من قبيل ضرب الأمثال بأن تكون في المواعظ والتعليم ونحوها دون غيرها من الأغراض: فالظاهر أنه تحكّم لا حجة توجبه، وما دام قد أقررنا أن ذلك ليس من الكذب فما وجه منعه للترويح والإضحاك نحو ذلك؟! وانظر الفتوى رقم: 193197.
وبعد هذا: فالفتوى التي ذكرتها وغيرها من فتاوانا السابقة مشينا فيها على اجتهاد بعض العلماء الذين يمنعون من النكت الخيالية التي يعلم السائل كذبها.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني