السؤال
ما هو حكم المتاجرة في العملات، عن طريق الاتفاق مع شخص يقوم بإدارة الحساب. على أن تكون الأرباح مناصفة 50% له، و50% لي. حيث قام مدير الحساب ببدء التداول قبل الموعد المحدد، والمتفق عليه بيننا؛ مما أدى إلى خسارة كامل رأس المال.
فهل يحق لي المطالبة بكامل رأس المال، أو 50% كما هو المتفق عليه في الأرباح؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى عديدة أنه لا حرج في المتاجرة بالعملات، والاستفادة من فروقات أسعار الصرف، وتقلبات السوق، مع التقيد بالضوابط الشرعية، التي من أهمها: التقابض في استبدال العملات المختلفة، كبيع جنيهات بدولارات مثلًا، ففي الحديث:... فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد. رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت.
فإن كنت تعني أنك دفعت مالا لعامل يتاجر به في العملات، وفق تلك الشروط، وعلى أن يكون الربح بينكما مناصفة. فلا حرج في ذلك، وتعتبر هذه مضاربة. وإذا اشترطت عليه أن يبدأ في وقت معين، فخالف وبدأ قبله، وترتب على المخالفة خسارةٌ، فإنه ضامن، ويحق لك أن تطالبه بالمبلغ الذي خسره. فقد نص الفقهاء على أن لرب المال الاشتراط على العامل، وأن العامل لو خالف شرط رب المال، فإنه يضمن ما تلف بسبب المخالفة. قال البغدادي في مجمع الضمانات: المدفوع إلى المضارب أمانة في يده؛ لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه، لا على وجه البدل والوثيقة، وهو وكيل فيه؛ لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه .. وإذا خالف كان غاصبا؛ لوجود التعدي منه على مال غيره. اهـ. وقال ابن قدامة في المغني: وَالشُّرُوطُ فِي الْمُضَارَبَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ، فَالصَّحِيحُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ، أَوْ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ، أَوْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نَوْعٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. فَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ...اهـ.
وفي شرح مختصر خليل للخرشي المالكي: وَاشْتِرَاطُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا، أَوْ يَمْشِيَ بِلَيْلٍ، أَوْ بِبَحْرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا، أَوْ لَا يَسِيرَ بِالْمَالِ فِي اللَّيْلِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، أَوْ لَا يَنْزِلَ بِالْمَالِ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ، أَوْ الْحُلْوِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ (ص) أَوْ يَبْتَاعَ سِلْعَةً (ش) .. أَيْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَبْتَاعَ سِلْعَةً عَيَّنَهَا لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ قِلَّةِ الرِّبْحِ فِيهَا، أَوْ حُصُولِ الْوَضِيعَةِ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ جَائِزٌ (ص) وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ (ش) أَيْ وَضَمِنَ الْعَامِلُ الْمَالَ إنْ خَالَفَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ، أَيْ وَحَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ، وَأَمَّا لَوْ خَاطَرَ وَسَلِمَ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ يَدَ الْمُضَارِبِ عَلَى رَأْسِ مَال الْمُضَارَبَةِ، يَدُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ إِذَا تَلِفَ الْمَال، أَوْ هَلَكَ، إِلاَّ بِالتَّعَدِّي، أَوِ التَّفْرِيطِ .. اهــ.
وإن حصل خلاف بينكما في اشتراط التوقيت أصلا، فارفعا الأمر إلى المحكمة الشرعية لتنظر في القضية.
والله تعالى أعلم.