السؤال
في شركة التوصية البسيطة يتحمل الشريك الموصي من الخسارة بما لا يزيد عن قدر رأس ماله، مما يترتب عليه أن الخسارة لو زادت عن قدر رأس المال، فإن الشركاء المتضامنين سيتحملون قدرا من الخسارة أزيد من نسبة مشاركتهم في رأس المال، وستكون نسبة تحمل الشريك الموصي من الخسارة أقل من نسبة مساهمته في رأس المال، فهل ذلك جائز شرعا؟ أم يجب أن تكون نسبة تحمل جميع الشركاء للخسارة مساوية لنسبة مساهمتهم في رأس المال ؟ وما حكم الشركة في حالة عدم الجواز؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاشتراط الشريك الموصي ألا يتحمل من خسارة الشركة إلا بقدر رأس ماله فقط، لا إشكال فيه ما دامت الخسارة لا تتعدى رأس المال، أما إذا غطت الخسارة رأس المال وزادت عليه، فإنها تقسم على الشركاء جميعا - الموصين والمتضامنين - بقدر نسبة حصصهم من رأس المال، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 177299 .
ولذلك نص قرار مجمع الفقه الإسلامي على أن كل شريكٍ يتحمل حصَّته من الخسارة بنسبة مساهمته في رأس المال، حيث انعقد مجلس مجمع الفقه في دورته الرابعة عشرة، بخصوص موضوع الشركات الحديثة وأحكامها الشرعية، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إليه، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: التعريف بالشركات الحديثة:
1ـ شركات الأموال: هي الشركات التي تعتمد في تكوينها وتشكيلها على رؤوس أموال الشركاء بغض النظر عن الشخصية المستقلة لكل مساهم، وتكون أسهمها قابلة للتداول ...
2ـ شركات الأشخاص: هي الشركات التي يقوم كيانها على أشخاص الشركاء فيها، حيث يكون لأشخاصهم اعتبار، ويعرف بعضهم بعضاً، ويثق كل واحد منهم في الآخر. وتنقسم إلى:
أ- شركة التضامن: هي الشركة التي تعقد بين شخصين أو أكثر بقصد الاتجار، على أن يقتسموا رأس المال بينهم، ويكونون مسؤولين مسؤولية شخصية وتضامنية في جميع أموالهم الخاصة أمام الدائنين. وهي تقوم بصفة أساسية على المعرفة الشخصية بين الشركاء.
ب- شركة التوصية البسيطة: هي الشركة التي تعقد بين شريك أو أكثر، يكونون مسؤولين ومتضامنين، وبين شريك واحد أو أكثر، يكونون أصحاب حصص خارجين عن الإدارة، ويسمون شركاء موصين، ومسؤوليتهم محدودة بمقدار حصصهم في رأس المال ... ...
رابعاً: في حالة وقوع خسارة لرأس المال فإنه يجب أن يتحمل كلُّ شريكٍ حصَّته من الخسارة بنسبة مساهمته في رأس المال ... اهـ.
وجاء في المعايير الشرعية التي وضعتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، في المعيار رقم (12) المتعلق بالشركات الحديثة، في بيان الأحكام الشرعية لشركة التوصية البسيطة: توزع الأرباح بحسب الحصص، أو بحسب الاتفاق. أما الخسائر فيتحملها الشركاء المتضامنون بغض النظر عن حصصهم في رأس مال الشركة. أما الشركاء الموصون فلا يتحملون منها إلا بمقدار نسب حصصهم في رأس مال الشركة. اهـ.
وقال الدكتور عبد العظيم شرف الدين في بحثه (عقد المضاربة بين الشريعة والقانون ص 147): شركة التوصية لو أدخل عليها تعديل فيما يتعلق بتضمين الشركاء المتضامنين بحيث أصبح موقفهم يشبه موقف الشركاء الموصين في أن الضمان لا يتجاوز رأس مال الشركة، وعدم إلزام الشريك بالضمان إذا عمل ولم يكن له رأس مال وتجعل الخسارة على رأس المال لكانت شركة التوصية معاملة يقرها الفقه الإسلامي تماما. اهـ.
وقال الباحث محمد الموسى في رسالته للماجستير (شركات الأشخاص بين الشريعة والقانون ص 300): إن شركة التوصية البسيطة تتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية في الشركات بالنسبة لتوزيع الأرباح، أما في الخسائر فإنها تختلف عن القاعدة المماثلة لها في شركات الفقه الإسلامي، لكن إذا جعلنا تحمل الخسائر مبنيا على مقدار نصيب كل شريك في رأس مال الشركة فهذا يجعلها متمشية مع القواعد الشرعية في تلك الناحية. اهـ.
وقد نص بعض المعاصرين على صحة شركة التوصية البسيطة التي يتكفل فيها الشركاء المتضامنون وحدهم بالمسئولية عن خسارة الشركة أو ديونها، بناء على الالتزام بالشرط، وتكييف ذلك بكونه تبرعا!!! قال الباحث محمد الموسى (ص 299): ويمكن القول بأن الشركاء المتضامنين الذين يعملون في الشركة قد اتفقوا ورضوا بأن تكون مسئوليتهم عن ديون الشركة مسئولية تضامنية وشخصية، فيكون هذا الاتفاق صحيحا؛ للأمر بالوفاء بالعقود، وانفاذ الشروط التي تكون بين المتعاملين، ما دامت لم تخالف النصوص والقواعد الشرعية. اهـ.
وقال أيضا (ص 301): وأما مسئولية الشركاء المتضامنين في شركة التوصية فيما بينهم عن ديون الشركة مسئولية تضامنية وشخصية، فنقول: إن الحنابلة وإن لم يصرحوا باشتراط أهلية الكفالة والالتزام بين الشركاء واعتبار مسئوليتهم عن ذلك شخصية وتضامنية، فإنهم لا يقولون بمنع ذلك ما دام قد اتفق عليه الشركاء جميعا عن رضا منهم، بل إن قواعدهم تجعل من تلك القاعدة وما تضمنه من شروط قاعدة صحيحة، وذلك لأن الأصل عندهم في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يمنع من ذلك إلا ما حرمه الشرع وأبطله، ولم يرد في هذا عن الشرع منع ولا إبطال، فيعتبر صحيحا. اهـ.
وصححها بهذا الشرط أيضا الدكتور عبد العزيز الخياط في كتابه (الشركات في الشريعة الإسلامية 2 / 146).
وفي حال الحكم بفساد هذا الشرط، ففي الحكم بفساد عقد الشركة بذلك قولان لأهل العلم، أظهرهما أنه لا يفسد، لأن ذلك لا يؤدي إلى جهالة الربح، قال ابن قدامة في المقنع: الشروط في الشركة ضربان، صحيح: مثل أن يشترط أن لا يتجر إِلا في نوع من المتاع ... وفاسد: مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح، أو ضمان المال، أو أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله ... فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد، ويُخَرَّج في سائرها روايتان. اهـ.
وقال أبو الخطاب الكلوذاني في (الهداية على مذهب الإمام أحمد): والربح فيهما على ما شرطاه، والوضيعة على قدر المال، فإن شرطا التساوي في الوضيعة مع التفاضل في المال، فالشرط باطل والعقد صحيح، وكذلك جميع الشروط الفاسدة لا تبطل العقد. اهـ.
وإذا حكمنا بفساد العقد، فإن الربح يقسم بحسب حصص الشركاء في رأس المال، قال ابن قدامة في المقنع: وإِذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين. اهـ.
والله أعلم.