السؤال
رجل يقول إن الأحاديث التي تكون معارضة للقرآن والتي تكون خلافا للعقل هي أخبار كاذبة موضوعة، وإن كانت في البخاري أو مسلم أو الصحاح والسنن، ويقول إن البخاري وغيره من الصحاح عندنا كالكتب السماوية السابقة المحرفة، فعندنا القرآن وما وافقه من الأحاديث وإن كانت ضعيفة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل حديث صحت نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يتعارض مع القرآن، ولا مع العقل الصريح، فكلٌّ من عند الله، وما كان كذلك فلا يختلف فيما بينه، ولا يتعارض مع العقل، كما قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء: 82}. وقال عز وجل: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ {الملك: 3}.
فكل من خلق الله تعالى وشرعه، يدل على كماله، فلا يتناقضان، فلله تعالى الخلق والأمر، والعقل من خلقه، والشرع من أمره، فلا يتعارضان، قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ {الأعراف: 54}.
فلا تفاوت ولا تناقض بين العقل والوحي، وتوهم هذا التعارض لا يقتصر على السنة، فبعض الناس يتوهم التعارض بين بعض آيات القرآن وبعضها، وبين بعضها وبين العقل!!! والحقيقة أن الإشكال يكون في ذهن المتوهم، لا في واقع الأمر، وهذا يُرجَع فيه لكلام أهل العلم الراسخين لبيان وجهه وحل إشكاله، وقد عقد الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية في علم الرواية بابا في تعارض الأخبار، وما يصح التعارض فيه وما لا يصح، وأسند فيه عن القاضي الباقلاني أنه قال: الأخبار على ضربين: ضرب منها يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم به، إما بضرورة أو دليل، ومنها ما لا يعلم كونه متكلما به، فكل خبرين علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين، لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافيا لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كانا أمرا ونهيا وإباحة وحظرا، أو يوجب كون أحدهما صدقا والآخر كذبا إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع ومعصوم منه باتفاق الأمة وكل مثبت للنبوة، وإذا ثبت هذه الجملة وجب متى علم أن قولين ظاهرهما التعارض ونفى أحدهما لموجب الآخر: أن يحمل النفي والإثبات على أنهما في زمانين، أو فريقين، أو على شخصين، أو على صفتين مختلفتين، هذا ما لابد منه مع العلم بإحالة مناقضته عليه السلام في شيء من تقرير الشرع والبلاغ. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 313126.
وإذا تقرر ذلك، وعرفنا معه أن علماء الأمة المعتبرين قد اتفقوا على قبول أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، وأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، كم سبق أن بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 13678، 22660، 287551، 137308.
فإن التعارض المفترض بين أحاديثهما وبين القرآن، أو بينها وبين العقل، إنما هو وهم، سببه: جهل صاحبه، أو نقص عقله، كما يدل عليه مطالعة الكتب التي حاول فيها بعض الناس أن يجمعوا من أحاديث الصحيحين أو أحدهما ما يرونه متعارضا مع القرآن أو مع العقل، فأظهرت كتاباتهم نقص عقولهم، وفضحت جهلهم، وإلى الله المشتكى، وعلى أية حال فالجواب المفصل إنما يكون بالأمثلة، فليرسل السائل ما يزعم صاحبه أنه متعارض مع القرآن، أو مع العقل، ونحن ننقل له من كلام أهل العلم ما يبين خطأه.
والله أعلم.