السؤال
قرأت في الفتوى رقم: 2656241 أنه لا يجوز حب المخلوق لذاته، بل يحب لغيره؛ لأن هذا من الشرك الأكبر، وكل محبة ليست لله، ولا في الله، فهي محبة مع الله، وقد بحثت فوجدت أن المحبة مع الله نوعان: محبة المشركين لأندادهم، فهم يحبونهم كما يحبون الله، ويتقربون إليهم، ومحبة ما زينه الله للأنفس -كالذهب، والنساء، والمال-، فهذه مباحة في الأصل إلا إذا أدّت إلى معصية، فتصبح حرامًا، فهل هذا التفصيل صحيح؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:
فمحبة النساء ونحوها مما زينه الله للإنسان، محبة لغيرها، وليس أحد يحب هذه الأشياء لذاتها، فهو إنما يحب الطعام والشراب لما يحصل له به من بقاء النفس، وكذا يحب النساء لما يحصل له به من بقاء النوع، ويحب ما يلتذ به لوجود الملاءمة للطبع، وحصول اللذة به، وليست هذه محبة شركية، ولا محبة مع الله تعالى، بل هي جائزة- كما ذكرت- إذا لم تفض لمحرم.
ولما ذكر ابن القيم أنواع المحبة، لم يجعل هذا النوع من المحبة مع الله، بل جعلها محبة مستقلة بذاتها، لا تسمى محبة مع الله، فما قرأته من أن المحبة مع الله نوعان، وأن هذا النوع منها ليس مذمومًا، غير صحيح، فهذه المحبة -وإن كانت غير مذمومة كما ذكرت- إلا أن تفضي لمحرم، لكنها لا تسمى محبة مع الله، يقول ابن القيم -رحمه الله-: وَهَاهُنَا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا، وَإِنَّمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا:
أَحَدُهَا: مَحَبَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَكْفِي وَحْدَهَا فِي النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَالْفَوْزِ بِثَوَابِهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَعُبَّادَ الصَّلِيبِ وَالْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ، يُحِبُّونَ اللَّهَ.
الثَّانِي: مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَتُخْرِجُهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَقْوَمُهُمْ بِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ، وَأَشَدُّهُمْ فِيهَا.
الثَّالِثُ: الْحُبُّ لِلَّهِ، وَفِيهِ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ مَا يُحِبُّ، وَلَا تَسْتَقِيمُ مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّ إِلَّا فِيهِ، وَلَهُ.
الرَّابِعُ: الْمَحَبَّةُ مَعَ اللَّهِ، وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الشِّرِكِيَّةُ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا مَعَ اللَّهِ، لَا لِلَّهِ، وَلَا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا فِيهِ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ نِدًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهَذِهِ مَحَبَّةُ الْمُشْرِكِينَ.
وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ: وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ، وَهِيَ مَيْلُ الْإِنْسَانِ إِلَى مَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ، كَمَحَبَّةِ الْعَطْشَانِ لِلْمَاءِ، وَالْجَائِعِ لِلطَّعَامِ، وَمَحَبَّةِ النَّوْمِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ، فَتِلْكَ لَا تُذَمُّ، إِلَّا إِذَا أَلْهَتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَشَغَلَتْ عَنْ مَحَبَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ {سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ:9}، وَقَالَ تَعَالَى: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ {سُورَةُ النُّورِ: 37}. انتهى.
فبان بهذا أن فتوانا المشار إليها لا يرد عليها إشكال، ولعل الأمر قد ازداد اتضاحًا لديك، وانتفت عنك فيه كل شبهة.
والله أعلم.