السؤال
كيف نوفق بين احترام خصوصية الأفراد من جهة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أخرى . فكثيرا ما أنهى إنسانا عن شيء حرام فيرد علي قائلا: إن هذا لا يخصني، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
كيف نوفق بين احترام خصوصية الأفراد من جهة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أخرى . فكثيرا ما أنهى إنسانا عن شيء حرام فيرد علي قائلا: إن هذا لا يخصني، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن امتثال أمر الله تعالى، والسعي للفوز بمرضاته، والاهتمام بأمر الآخرة: أهم ما يعني المسلم الموفق، ولذلك لا يتصور خروج طاعة الله عز وجل وما ينال به ثوابه تعالى، مما يعني المسلم! ومن جملة ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الأربعين النووية: ينبغي للإنسان أن يتطلب محاسن إسلامه فيترك ما لا يعنيه ويستريح، لأنه إذا اشتغل بأمور لا تهمّه ولا تعنيه فقد أتعب نفسه. وهنا قد يَرِدُ إشكالٌ، وهو: هل ترك العبد ما لا يعنيه هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ والجواب: لا، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني الإنسان، كما قال الله عزّ وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: الآية104) فلو رأيت إنساناً على منكر وقلت له: يا أخي هذا منكر لا يجوز. فليس له الحق أن يقول: هذا لا يعنيك. ولو قاله لم يقبل منه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني الأمة الإسلامية كلها . اهـ. وراجع في شرح حديث "من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه" الفتوى رقم: 63644.
ومما أنشأ هذه الشبهة - وهي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعارض مع خصوصية الأفراد - : الجهل بما للمخالفات الشرعية -وخاصة الظاهرة منها- من أثر سيئ على المجتمع بأسره، وإذا كانت المعصية إذا ظهرت ضرت المجتمع كله وأوجبت له العقوبات العامة كان لزاما على كل أفراد المجتمع أن يقفوا سدا حائلا دون نزول هذه العقوبات بهم، وذلك بالسعي في تغيير المنكر والنهي عنه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: يوضح ذلك أن صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله، ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} . وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقال تعالى عن بني إسرائيل: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} . وقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} . فأخبر الله تعالى أن العذاب لما نزل نجى الذين ينهون عن السوء، وأخذ الظالمين بالعذاب الشديد. وفي الحديث الثابت: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أيها الناس؛ إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده} . وفي حديث آخر: {إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا ظهرت فلم تنكر ضرت العامة}. انتهى.
وعليه؛ فليس النهي عن المعصية الظاهرة من التدخل فيما لا يعني، بل هو تدخل فيما يعني لكون ضرر هذه المعصية إن لم ينه عنها لاحق للشخص فاعل المنكر ولغيره ممن لم ينهه، وأما إذا خفيت المعصية فإنها لا تضر إلا صاحبها، ولا يشرع التجسس عليه ولا الكشف عن ستره، وإنما ينهى عن المنكر إذا ظهر وجاهر به صاحبه؛ لما ذكرنا. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 80899.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني