السؤال
ما هو الرأي الشرعي لامرأة مظلومة مع زوجها: فدائمًا يضربها -وفي البداية كانت تحتمل الضرب، والشتم، والإهانة-، ويسلبها أموالها، ويعدها حقه، وقد يئست منه، وتفكر في طلب الطلاق؛ حتى تحفظ حقها، وتعبها لأولادها، وهو عاطل عن العمل، وهي أصبحت دائمة المرض؛ لشدة حزنها، وتداوم على تلاوة القرآن، والاستعانة بالله؛ حتى يخلصها من حزنها، فماذا تفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على الرجال أن يعاشروا زوجاتهم معاشرة حسنة، وأن يتذكروا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء، وأمر الله بمعاشرتهن بالمعروف، وأن لا يستعرضوا عضلاتهم عليهنّ، بل يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لم يضرب أحدًا، إلا في الجهاد في سبيل الله، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيرًا. رواه البخاري، من حديث أبي هريرة. وقال: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة. رواه أحمد، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني. وفي رواية رواها الحاكم، وصححها، ووافقه الذهبي: إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة. وعن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
ثم إنه تقدم حكم ضرب الزوجة، وأذيتها بالسب، والشتم في الفتاوى: 22559، 6897. كما تقدم أن مال الزوجة ملك لها، وأنه ليس للزوج حق التصرف فيه، ولا أخذ شيء منه، إلا برضاها، وذلك في هاتين الفتويين: 12162، 4556.
ونوصي هذه السيدة بالصبر، ومعالجة الأمر بالحكمة، والدفع بالتي هي أحسن، والمحاورة الهادئة، والدعاء، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:34-36].
كما نوصيها بأن تسعى في تقوية إيمان الزوج، وتهذيب أخلاقه؛ عن طريق إسماعه الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة، وخاصة كتب الترغيب والترهيب. وأن تسعى في صحبته لأهل الخير، وارتباطه بالمسجد.
وإذا كانت عندها خليلة لها زوج طيب، فيمكن أن تنسق معها؛ حتى يقوم زوج خليلتها بوعظه، ونصحه، وجرّه إلى الخير.
أما إذا لم يمكن الصبر، وتمادى الظالم في ظلمه، ولم ينفعه السعي في الإصلاح، فاعلمي أن الفقهاء سوّغوا للمرأة أن تسعى في تطليقها من زوجها، إذا أضرَّ بها؛ لحديث أحمد، وابن ماجه، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي: لا ضرر، ولا ضرار. فرفع الضرر، يسوّغ طلب الطلاق؛ لحديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق، في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الأرناؤوط، والألباني.
فينبغي أن تحاوره في الموضوع، وإلا لجأت إلى القاضي، وبعث الحكمين؛ لرفع الضرر، أو التطليق، فقد ذكر الفقهاء أن الضرر البين -كالشتم، والضرب، وأخذ المال- يُطَلَّق به، قال خليل في مختصره: ولها التطليق بالضرر البين. وقال صاحب نظم الكفاف، موضحًا أنواع الضرر، التي يمكن لمن تأذت بها أن تطلب الطلاق:
للمرأة التطليق إن آذاها ... بشتمها وشتم والداها.
تحويل وجهه وقطع النطق ... وأخذ مالها بغير حق.
وراجعي الفتاوى التي أشرنا إليها سابقًا، إضافة إلى الفتاوى: 7981، 26915، 24917، 8649.
والله أعلم.