السؤال
رجل مسلم أهدى قرآنا مفسرا ـ تفسير الجلالين ـ لرجل غير مسلم بعد أن طلب منه ذلك، وهو يرجو إسلامه، فهل يجوز ذلك؟ وإذا لم يكن جائزا، فكيف يتوب هذا المسلم؟ علما بأنه من الصعوبة الآن إعادة هذا القرآن منه، لعدم معرفة مكانه؟.
رجل مسلم أهدى قرآنا مفسرا ـ تفسير الجلالين ـ لرجل غير مسلم بعد أن طلب منه ذلك، وهو يرجو إسلامه، فهل يجوز ذلك؟ وإذا لم يكن جائزا، فكيف يتوب هذا المسلم؟ علما بأنه من الصعوبة الآن إعادة هذا القرآن منه، لعدم معرفة مكانه؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم تبين لنا حال التفسير هل معه مصحف أم لا؟ فإن كان معه مصحف، فلا يجوز للكافر أن يلمس المصحف الكريم، ولا أن يمكن من ذلك، لأنه نجس بنص القرآن، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ {التوبة:28}.
ولأنه إذا كان جمهور أهل العلم يقولون بعدم جواز مس المصحف للمسلم في حال تلبسه بالجنابة فغيره أولى بالمنع، لقول الله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ {الواقعة:77 ـ79}.
وعلى هذا، فيأثم المسلم في إعطائه المصحف الشريف للكافر، ولو بغرض تدبره أو لرجاء إسلامه، قال الباجي في المنتقى: مسألة: ولو أن أحداً من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به، لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه إليه. انتهى.
وإن لم يكن معه مصحف فالظاهر عدم جواز تمكينه منه إن خشي امتهانه له أو وضعه بمكان غير لائق، ولأن بعض أهل العلم نصوا على عدم تمكينهم من كتب الفقه، لئلا يمتهنوها، فقد قال ابن عابدين: وفي شرح الحصكفي: ونهينا عن إخراج ما يجب تعظيمه ويحرم الاستخفاف به كمصحف وكتب فقه وحديث.... وأراد بالنهي ما في مسلم: لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو، إلا في جيش يؤمن عليه، فلا كراهة، لكن إخراج العجائز والإماء أولى، وإذا دخل مسلم إليهم بأمان جاز حمل المصحف معه إذا كانوا يوفون بالعهد، لأن الظاهر عدم تعرضهم. اهـ.
ومن أقوال الفقهاء يتبين أن العلة في النهي عن ذلك هي خشية الإهانة، فإذا تيقن الشخص أن هذا الكافر لن تحصل منه أي إهانة جاز له أن يمكنه من كتب العلم الشرعي فحسب، أما القرآن فلا يجوز ولو تيقن عدم الإهانة، لأن الكافر جنب لا يجوز له مسه، أما مسه غير القرآن من كتب العلم فجائز، فقد جاء في المجموع للنووي: إذا حمل كتاب فقه وفيه آيات من القرآن أو كتاب حديث فيه آيات أو دراهم أو ثوب أو عمامة طرز بآيات، أو طعام نقش عليه آيات، فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما، أصحهما بالاتفاق جوازه، وقطع به إمام الحرمين والبغوي وجماعات، ومنهم من قطع به في الثوب وخص الخلاف بالدراهم، وعكسه المتولي، فقطع بجواز مس كتاب الفقه وجعل الوجهين في مس ثوب أو خشبة أو حائط أو طعام أو دراهم عليها آيات، وكذا ذكر غيره الوجهين في مس الحائط أو الحلوى والخبز المنقوش بقرآن والصحيح الجواز مطلقا، لأنه ليس بمصحف ولا في معناه. اهـ.
ولا شك أن الأولى أن يقال له يمكنك الاطلاع على التفسير بواسطة الإنترنت، ويعتذر له عن إعطائه الكتاب، وأما عن التوبة من هذا: فتكون بالاستغفار، والندم، والعزم على عدم العود لمثل هذا، لقوله تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110}.
وفي الحديث: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني