السؤال
أنا أصلي خلف إمام يتكلم في الصلاة في بعض الأحيان كلاما، ويقول بعض الكلمات، مع العلم أنه حتى الأئمة الآخرين يفعلون نفس الشيء، هل تبطل صلاة الإمام وحده أم صلاة المأمومين أيضا؟
وأجيبوني أيضا حول انعقاد صلاة المأمومين هل مفصولة أو موصولة بالإمام؟ وما هو القول الراجح؟ وأجيبوني أيضا حول الكلام الذي هو من مصلحة الصلاة ما معنى مصلحة الصلاة؟ وهل يبطلها؟ أجيبوني بالتفصيل عن هذه الأسئلة الثلاثة بالتفصيل وبدون إحالة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل السؤال على مسائل:
الأولى: حكم من يتكلم في صلاته إماما أو غيره، وجوابها: أنه لا يجوز للمصلي ـ إماما كان أو مأموما أو منفردا- أن يتعمد الكلام في الصلاة لغير إصلاحها، وإن فعل فإن ذلك مبطل للصلاة باتفاق أهل العلم؛ قال ابن قدامة في المغني: أما الكلام عمدا وهو أن يتكلم عالما أنه في الصلاة مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام فتبطل الصلاة إجماعا. اهـ
ومن ثم فإن من يتكلم في الصلاة عمدا لغير إصلاحها يعد آثما، وعليه إعادة صلاته لبطلانها.
وإن كان المتكلم إماما فإن المأمومين تبطل صلاتهم أيضا إذا اقتدوا به عالمين ببطلان صلاته، جاء في فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: إذا فعل ـ الإمام ـ المبطل واقتدوا به وهم يعلمون أن صلاته باطلة فحينئذٍ لا تصح صلاتهم لأنهم اقتدوا بإمام يعتقدون بطلان صلاته. اهـ
وإن كانوا غير عالمين ببطلان صلاته، حيث لم يسمعوا كلامه مثلا فلا تبطل صلاتهم، لأن سبب البطلان قد خفي عنهم، وراجع الفتوى رقم: 45353، والفتوى رقم: 46834.
وأما الكلام من الإمام أو غيره سهوا أو جهلا فإن الصلاة لا تبطل به على الصحيح، كما بينا في الفتوى رقم: 133830.
المسألة الثانية: ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وفيها تفصيلات وأقوال متعددة، والراجح منها أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة إمامه في بعض الحالات دون بعض، وهذا ما اختاره تقي الدين ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وبين بالتفصيل والدليل رجحانه، وسنسوق هنا كلامه كاملا لأهميته، حيث يقول: في انعقاد صلاة المأموم بصلاة الإمام الناس فيه على ثلاثة أقوال أحدها: أنه لا ارتباط بينهما، وأن كل امرئ يصلي لنفسه، وفائدة الائتمام في تكثير الثواب بالجماعة، وهذا هو الغالب على أصل الشافعي، لكن قد عورض بمنعه اقتداء القارئ بالأمي والرجل بالمرأة، وإبطال صلاة المؤتم بمن لا صلاة له: كالكافر والمحدث، وفي هذه المسائل كلام ليس هذا موضعه، ومن الحجة فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأئمة: {إن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم}، والقول الثاني: أنها منعقدة بصلاة الإمام وفرع عليها مطلقا فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم لقوله صلى الله عليه وسلم {الإمام ضامن}، وعلى هذا فالمؤتم بالمحدث الناسي لحدثه يعيد كما يعيد إمامه، وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها أبو الخطاب، حتى اختار بعض هؤلاء كمحمد بن الحسن أن لا يأتم المتوضئ بالمتيمم لنقص طهارته عنه، والقول الثالث: أنها منعقدة بصلاة الإمام لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم مع عدم العذر منهما فأما مع العذر فلا يسري النقص فإذا كان الإمام يعتقد طهارته فهو معذور في الإمامة والمأموم معذور في الائتمام وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما، وعليه يتنزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة وهو أوسط الأقوال كما ذكرنا في نفس صفة الإمام الناقص؛ أن حكمه مع الحاجة يخالف حكمه مع عدم الحاجة، فحكم صلاته كحكم نفسه، وعلى هذا أيضا ينبني اقتداء المؤتم بإمام قد ترك ما يعتقده المأموم من فرائض الصلاة إذا كان الإمام متأولا تأويلا يسوغ كأن لا يتوضأ من خروج النجاسات ولا من مس الذكر ونحو ذلك، فإن اعتقاد الإمام هنا صحة صلاته كاعتقاده صحتها مع عدم العلم بالحدث وأولى، فإنه هناك تجب عليه الإعادة وهذا أصل نافع أيضا، ويدل على صحة هذا القول ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم} فهذا نص في أن الإمام إذا أخطأ كان درك خطئه عليه لا على المأمومين. فمن صلى معتقدا طهارته وكان محدثا أو جنبا أو كانت عليه نجاسة وقلنا عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث: فهذا الإمام مخطئ في هذا الاعتقاد فيكون خطؤه عليه فيعيد صلاته، وأما المأمومون فلهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطئه شيء كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نص في إجزاء صلاتهم، وكذلك لو ترك الإمام بعض فرائض الصلاة بتأويل أخطأ فيه عند المأموم: مثل أن يمس ذكره ويصلي أو يحتجم ويصلي أو يترك قراءة البسملة أو يصلي وعليه نجاسة لا يعفى عنها عند المأموم ونحو ذلك، فهذا الإمام أسوأ أحواله أن يكون مخطئا إن لم يكن مصيبا، فتكون هذه الصلاة للمأموم وليس عليه من خطإ إمامه شيء، وكذلك روى أحمد وأبو داود عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم} لكن لم يذكر أبو داود "وأتم الصلاة" فهذا الانتقاص يفسره الحديث الأول أنه الخطأ. اهـ
المسألة الثالثة: الكلام لمصلحة الصلاة، ويقصد به الكلام الذي يؤتى به لإصلاح الصلاة وبيان ما يشكل فيها، فلو أن الإمام ـ مثلا ـ نسي عدد ما صلى ولم يستطع المأمومون إفهامه بالإشارة ولا بالتسبيح فيجوز لهم ـ على الراجح من أقوال أهل العلم ـ أن يكلموه ويخبروه أنه قد صلى عدد كذا من الركعات، بشرط أن يكون الكلام يسيرا عرفا لا يزيد عن قدر الحاجة.
جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: (وإن جهل) الخليفة (ما صلى) الأول، وقد ذهب (أشار) الخليفة مستفهما من المأمومين عن عدد ما صلى الأول (فأشاروا) أي المأمومون للخليفة بعدد ما صلى الأول، فإن فهم بالإشارة فواضح (وإلا) أي وإن لم يفهم بها أو كان أعمى أو في ظلام (سبح) بضم السين المهملة، وكسر الموحدة نائب الفاعل مستتر فيه تقديره هو أي الله (به) أي بسبب تفهيم الخليفة عدد ما صلى الأول، فإن فهم، وإلا كلموه ولا يضر تقديم التسبيح على الإشارة المفهمة وتبطل بتقديم الكلام على التسبيح أو الإشارة اللذين يحصل بهما الإفهام. اهـ
وفي شرح مختصر خليل للخرشي: ...كإمام سلم من اثنتين ولم يفقه التسبيح فكلمه بعضهم فسأل بقيتهم فصدقوه أو زاد أو جلس في غير محله ولم يفقه فكلمه بعضهم ابن حبيب كمن رأى في ثوب إمامه نجاسة فليدن منه ويخبره كلاما، ابن رشد يجوز لمن استخلف ساعة دخوله ولا علم له بما صلى الإمام السؤال إذا لم يفهم بالإشارة. اهـ
وفي كشاف القناع: (وإن تكلم) من سلم قبل إتمام صلاته سهوا (يسيرا) عرفا (لمصلحتها) أي الصلاة (لم تبطل) صلاته إماما كان أو مأموما... إن أمكنه استصلاح الصلاة بإشارة ونحوها فتكلم فذكر في المذهب وغيره أنها تبطل صلاته. اهـ
وانظر الفتوى رقم: 49385.
والله أعلم.