السؤال
إذا اعتقد شخص مذهبًا معينًا، ثم انتقل إلى مذهب آخر بالترجيح العلمي، فهل يلزمه إعادة العبادة التي على المذهب القديم؟ مثال الحامل لا تصوم ثم ترى وجوب الفدية فقط، وقد دفع الفدية، ثم بعد سنوات يتبين لها أن الراجح في هذه المسألة القضاء، والفدية، فهل يلزمها القضاء، والفدية؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجب التزام مذهب معين، ويجوز للمقلد الانتقال من مذهب لآخر بشروط، قال القرافي رحمه الله: قال الزَّنَاتيَ: يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقالُ من مذهبٍ إلى مذهب بثلاثة شروط: ألاَ يَجْمع بينهما على وجهٍ يخالف الإجماع، كمن تزوَّج بغير صَدَاقٍ، ولا ولي، ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد، وأن يعتقد فيمن يُقلِّده الفَضْلَ بوصول أخباره إليه، ولا يقلده رَمْياً في عَمَاية، وألاَّ يتتبَّع رُخَصَ المذاهب. اهـ.
وإذا انتقل العامي من مذهب لآخر بعد أن قلد المذهب الأول، فلا يلزمه إعادة ما أداه من عبادات وفق مذهبه السابق؛ لأنه قد أدى ما عليه، وبرئت ذمته، قال الإمام ابن عبد البر: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالمًا يتفق له على علمه، فيصدر في ذلك عما يخبره، فمعذور؛ لأنه قد أدى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله؛ لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة؛ لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك. اهـ.
وعليه؛ فالحامل إذا أفطرت خوفًا على ولدها، وأفتاها من تثق بعلمه أنه لا يلزمها القضاء، وإنما يلزمها الإطعام فقط، وعملت على ذلك ـ أي: أطعمت ولم تقض ـ فقد برئت ذمتها بتقليدها لمن أفتاها بعدم وجوب القضاء، فإذا انتقلت للمذهب المخالف لهذا، فلا يلزمها قضاء ما أفطرت في السابق.
وأما إن كانت من أهل الترجيح والنظر في الأدلة، فلا يسعها التقليد، بل تعمل بما ترجح عندها حسب الدليل، سواء كان القضاء أم الإطعام أم هما معًا، جاء في الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: وَأَمَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَاجِبٌ: فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ، وَعُلِمَ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَالسَّلَفِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ، وَذَلِكَ كَتَقْدِيمِهِمْ خَبَرَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ عَلَى خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ـ وَمَنْ فَتَّشَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَنَظَرَ فِي وَقَائِعِ اجْتِهَادَاتِهِمْ عَلِمَ عِلْمًا لَا يَشُوبُهُ رَيْبٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ دُونَ أَضْعَفِهِمَا، إلى أن قال: وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ رَاجِحًا، فَالْعُقَلَاءُ يُوجِبُونَ بِعُقُولِهِمُ الْعَمَلَ بَالرَّاجِحِ. اهـ.
ولو عملت بما ترجح عندها من عدم وجوب القضاء، ثم ترجح عندها وجوبه، فلا يلزمها القضاء، وانظر الفتوى رقم: 302347.
وراجع الفتوى رقم: 131375، حول أقوال الفقهاء في الحامل إذا أفطرت خوفًا على الولد.
والله أعلم.