السؤال
عندي سؤال عن النذر، صديقتي أثناء الحرب العراقية الإيرانية زوجها كان عسكريا في الجيش، فنذرت إذا وقفت الحرب أن تذبح لوجه الله كل سنة خروفا طول الحياة لحد الممات، فوقفت الحرب في: 8/8/1988 وخرج زوجها سالما من هذه الحرب، فاستمرت كل سنة تذبح خروفا، ولكن مرت صديقتي بظروف أصبحت لا تستطيع أن تفي بالنذر، والآن لا تدري ماذا تفعل؟ فقد نذرت نذرا فوق طاقتها فماذا تفعل؟ هل يجوز أن تكفر عن نذرها بكفارة يمين بأن تطعم 10 مساكين أو تصوم ثلاثة أيام؛ لأنها إذا أرادت أن تكمل النذر فمطلوبة لحد هذا الوقت تقريبا 25 خروفا ووضعها المادي لا يسمح، وخاصة أنتم تعرفون الظروف التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر.
أتمنى أن أجد الجواب الشافي لترتاح صديقتي، وجزاكم الله ألف خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من حال صديقتك أنها لم تتهاون بنذرها والوفاء به، حيث استمرت في الذبح كل سنة، حتى أعسرت وعجزت عن الوفاء بعد ذلك، والمفهوم من حالها أنها لا ترجو زوال هذا العجز، لأنها بقيت خمسة وعشرين عاما لا تستطيع الوفاء به، فإن كان الأمر كذلك فلتكفر عنه بكفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا أطاقه فليف به. رواه أبو داود وابن ماجه، وقال أبو داود: روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند أوقفوه على ابن عباس. اهـ.
وقال ابن حجر في (بلوغ المرام): إسناده صحيح، إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه. اهـ.
وقال في (فتح الباري): رواته ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا، وهو أشبه، وأخرجه الدارقطني من حديث عائشة. اهـ.
وقال أبو داود في مسائل الإمام أحمد: سمعت أحمد ذكر له رجل نذر نذرا لا يطيقه؟ قال: يكفر يمينه. اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها فعجز عنها، فعليه كفارة يمين؛ لما روى عقبة بن عامر، قال: «نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال: لتمش، ولتركب» متفق عليه، ولأبي داود: وتكفر يمينها، وللترمذي: «ولتصم ثلاثة أيام»... فإذا كفر ـ وكان المنذور غير الصيام ـ لم يلزمه شيء آخر. اهـ.
وقال الشوكاني في (نيل الأوطار): أما النذور المسماة إن كانت طاعة، فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها، سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال. اهـ. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 97854.
وأما من كان يرجو زوال عجزه، فعليه أن ينتظر زواله ثم يفي بنذره ولا كفارة عليه عن وقت عجزه، قال ابن قدامة في (المغني): إن نذر غير الصيام، فعجز عنه، كالصلاة ونحوها، فليس عليه إلا الكفارة؛ لأن الشرع لم يجعل لذلك بدلا يصار إليه، فوجبت الكفارة؛ لمخالفته نذره فقط، وإن عجز عنه لعارض، فحكمه حكم الصيام سواء. اهـ. ـ يعني بذلك التفريق بين العجز لعارض يرجى زواله، فينتظر زواله، ولا تلزمه كفارة، وبين العجز لعارض غير مرجو الزوال، فيصير إلى الكفارة.
وجاء في (الموسوعة الفقهية) تحت عنوان: أثر الإعسار في سقوط النذر: ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه إن نذر التصدق بشيء، وليس في ملكه إلا أقل منه، لا يلزمه غيره، لأن النذر بما لا يملك لا يصح. وذهب المالكية إلى أن من نذر ما لا يملك لزمه إن قدر عليه، فإن لم يقدر لزمه بدله أو بدل بدله، فلو نذر بدنة لزمته، فإن أعسر عنها فبقرة، فإن أعسر عنها فسبع شياه، فلو قدر على ما دون السبعة من الغنم فإنه لا يلزمه إخراج شيء من ذلك، وهو ظاهر كلام خليل والمواق، وفي كلام بعضهم أنه يلزمه إخراج ما دون السبعة من الغنم، ثم يكمل ما بقي متى أيسر، لأنه ليس عليه أن يأتي بها كلها في وقت واحد، وعند الحنابلة: من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين... اهـ.
وجاء فيها في بيان مذهب الشافعية والحنابلة في من نذر طاعة لا يطيقها أو عجز عنها بعد قدرته: الشافعية يرون أن من نذر صلاة أو صوما أو اعتكافا في وقت معين فعجز عن أداء هذه القرب فيه، لزمه القضاء ولا تجب عليه كفارة للتأخير عن هذا الوقت المعين، وإن نذر صدقة فأعسر بها سقط عنه النذر ما دام معسرا فإذا أيسر بعد ذلك وجب أداؤها.
ويرى الحنابلة أن من نذر أداء الصيام أو الصلاة أو الاعتكاف أو الطواف أو نحوها، فلم يطق أداءها أو عجز عنه عجزا لا يرجى زواله فعليه كفارة يمين، وإذا كان عجزه عن ذلك مرجو الزوال، انتظر زواله، وأدى ما وجب عليه بالنذر، ولا تلزمه كفارة في هذه الحالة. اهـ. بتصرف يسير.
والله أعلم.