السؤال
هل يصح هذا الكلام الموجود بين القوسين: (إن العبد الذي بذل وسعه في تعلم ما يجب عليه، وما يحرم عليه من أمور الدين الإسلامي معذور عند الله، ومن أهل الجنة، ولو مات قبل تمكنه من تعلم كل ما يجب عليه، وما يحرم عليه من أمور الدين الإسلامي)؟
هل يصح هذا الكلام الموجود بين القوسين: (إن العبد الذي بذل وسعه في تعلم ما يجب عليه، وما يحرم عليه من أمور الدين الإسلامي معذور عند الله، ومن أهل الجنة، ولو مات قبل تمكنه من تعلم كل ما يجب عليه، وما يحرم عليه من أمور الدين الإسلامي)؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن مقصود العبارة من أن الجهل يعذر به في الجملة: صحيح، فالعبد الذي لم يفرط في التعلم غير مؤاخذ بما يفعله جهلًا، وهذا من رحمة الله جل وعلا بالعباد، قال ابن عثيمين: العذر بالجهل ثابت بالقرآن والسنة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تبارك وتعالى: قد فعلت، ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] أي: ما تعمدت قلوبكم فعله على وجه مخالفة الشرع، وكذلك في السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة قضايا تدل على العذر بالجهل، منها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء. ومنها: حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، حين أصبح صائمًا فكان يأكل، وكان قد وضع تحت وسادته عقالين: أحدهما: أبيض، والثاني: أسود، وجعل يأكل حتى تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، فأمسك، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بذلك بياض النهار، وسواد الليل، وليس بياض الخيط الذي هو الحبل الأبيض من الأسود، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ثم إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، وهذا يدل على أنه إذا لم يكن ثمة رسل فإن لهم الحجة على الله، وكذلك لو كان لهم رسل ولكن لم يعلموا بذلك؛ لأنه لا فرق بين ألا يكون له رسول، وبين أن يكون له رسول لم يعلم به، وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59]، والآيات في هذا المعنى عديدة؛ ولهذا نقول: كل إنسان فعل شيئًا محرمًا جاهلًا به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة؛ لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته، ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاونًا، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثمًا، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذورًا إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذورًا، فالخلاصة إذن: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق. اهـ. من لقاء الباب المفتوح.
وراجع لمزيد بيان حول العذر بالجهل الفتاوى التالية أرقامهما: 164829، 75673، 166799، 19084.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني