الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا ما يجزم به في كون ما يفعله الوالد هو سبب منع الرزق عنكم، وأما عن قتله الحيوانات!! فإنه لا يجوز قتل ما لم يأذن الشرع في قتله من الحيوانات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها، قيل: يا رسول الله؛ وما حقها؟ قال: يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها يرمي بها. رواه النسائي.
وأما عن كونه يراها جنا فقد ذكر أهل العلم أن الجن يتشكلون بأشكال مختلفة، فيتصورون بصور الكلاب والقطط والحيات وغيرها، ففي صحيح مسلم: الكلب الأسود شيطان.
وروى ابن حبان والحاكم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وعفاريت، وصنف يحلون ويظعنون. صححه الألباني،
وفي صحيح مسلم في قصة الصحابي الذي قتل حية في بيته وقتلته وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لما سمع خبره: إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدالكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: الكلب الأسود شيطان الكلاب، والجن تتصور بصورته كثيرا، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة. وقال أيضا: والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها، وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، وفي صور الطير، وفي صور بني آدم، كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك لما أرادوا الخروج إلى بدر، وكما روي أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة. اهـ.
واعلم أنه قد ورد النهي عن قتل الضفدع، كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود: ذكر طبيب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء وذكر الضفدع يجعل فيه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع.
ولهذا كره بعض أهل العلم قتل الضفدع إن لم يؤذ، قال صاحب بلغة السالك وهو مالكي المذهب: ويكره قتل الضفدع إن لم يؤذ..
وقال السفاريني الحنبلي في منظومته: ويكره لنهي الشرع عن قتل ضفدع وصِرْدَانِ طير قتل ذين وهدهد. ، قال في شرحه: ويكره تنزيها. اهـ
ويشرع قتل الكلب العقور والأسود، ومن العلماء من صرح بوجوب قتل العقور دفعا لضرره عن الناس، واختلفوا في الكلاب التي لا ضرر فيها، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم، وما من أهل بيت يرتبطون كلبا إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط؛ إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم. رواه أحمد وحسنه السيوطي.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: أجمع العلماء على قتل الكلب الكَلِب والكلب العقور، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا ـ الشافعية: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل، وقال القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثني من كلب الصيد وغيره، قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه، وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهي عن اقتنائها إلا الأسود البهيم، قال القاضي: وعندي أن النهي أولا نهي عام عن اقتناء جميعها، وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود. انتهى.
وقال السفاريني في غذاء الألباب: واعلم أن الكلب إما أن يكون أسود بهيما أو لا، الأول: يستحب قتله، والثاني: إما أن يكون عقورا أو لا، الأول: يجب قتله ولو كان الأسود البهيم والعقور معلمين وتقدم الكلام عليهما قريبا، والثاني: إما أن يكون مملوكا أو لا، الأول: لا يباح قتله، وكذا الثاني على الأصح كما في الإقناع والمنتهى وغيرهما. انتهى.
وأما ما يقوله بعض الناس من أن بعض القطط من الجن فليس صحيحاً، فإن القط حيوان مستقل، ولكن الجن قد يتشكلون في صورة الأسود منها، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: فإن الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيراً، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة. انظر مجموع الفتاوى ج/19 ص/52
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى جواز قتل الهرة المؤذية إذا لم يمكن دفعها إلا بالقتل، قال الحطاب: سئل عز الدين عن قتل الهر المؤذي هل يجوز أم لا؟ فأجاب إذا خرجت إذايته عن عادة القطط وتكررت إذايته جاز قتله، واحترزنا بالأول عما في طبعه مثل أكل اللحم إذا كان خاليا أو عليه شيء يمكن رفعه للهر, فإذا رفعه وأكل فلا يقتل هذا, ولو تكررت منه; لأنه طبعه, واحترز بالثاني مما إذا وقع ذلك منه فلتة, فلا يوجب قتله فلا يكون كالميئوس من استصلاحه من الآدميين والبهائم, وعن أبي حنيفة إذا آذت الهرة وقصد قتلها فلا تعذب, ولا تخنق بل تذبح بموسى حاد؛ لقوله عليه السلام: {إذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة} انتهى.
وقال صاحب مطالب أولي النهى ـ وهو من كتب الحنابلة ـ: ويجوز قتل هر بأكل لحم ونحوه كالفواسق، على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع، وفي الترغيب له قتلها إذا لم تندفع إلا به كالصائل. انتهى.
وقال في رد المحتار: وجاز قتل ما يضر منها كالكلب العقور، وهرة تضر ويذبحها. انتهى.
وراجع في قتل الثعابين الفتوى رقم: 4688.
وأما القتل بالنار أو الماء الساخن فهو محرم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: لا يعذب بالنار إلا ربُّ النار. أخرجه البزار عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه، وقد أمر الله تعالى بالإحسان في كل شيء حتى في قتل المؤذي من الحشرات فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته. [رواه مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه]
وننصحكم بالتعوذ والاذكار الماثورة و قراءة سورة البقرة خصوصاً الآيتين الأخيرتين منها، وآية الكرسي، فإن ذلك يعصم الله به من شر الجان؛ لما في الحديث: اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. رواه مسلم.
وفي الحديث: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وفي الحديث: أن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان. رواه الترمذي والحاكم والطبراني وقال الهيثمي: رجاله ثقات وصححه الألباني.
وفي البخاري أن الشيطان قال لأبي هريرة: إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ،، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: صدقك وهو كذوب.
وحافظوا على قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاثا كل مساء وكل صباح، لما في الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك كل شيء. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
وحافظوا على الأذكار المقيدة والمطلقة، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
والله أعلم.