السؤال
أنا امرأة أشعر بالخوف، وأبتعد عن معاشرة زوجي حاليا بسبب فتاوى متناقضة منكم!!!
فقد تزوجت بعد أن تبت من الزنا في فترة الخطوبة، وعقدنا العقد الشرعي بعد التوبة، واستبراء الرحم؛ لاتباع الأحوط في نكاح الزانية، لكني شككت قبل العقد في صحه إبرام العقد لكون المذهب الإباضي رفض زواجنا؛ لاستدلالهم بأثر ابن مسعود، وعائشة، والبراء بتحريم نكاح الزانية بمن زنا بها، لكن بعد أن قرأت فتوى منكم بأن ابن مسعود، وباقي الصحابة حرموا نكاح الزاني بمن زنى بها قبل التوبة فقط؛ لورود آثار أخرى عن الصحابة بإباحة النكاح بعد التوبة، فأنا صاحبة الفتوى رقم:217171 أرسلت لكم لأتأكد من صحة زواجي بمن زنا بي، وأخبركم لخوفي أن ابن مسعود، وعائشة، والبراء ورد عنهما أن من زنا بامرأة ثم نكحها، فهما زانيان أبدا. فطمأنتم قلبي بأن المقصود بذلك إذا لم يتوبا، وأوردتم لي قول ابن مسعود الذي يبيح نكاحنا، وأكدتم لي أنه يقصد تحريم النكاح قبل التوبة، وكذلك قرأت فتوى رقم: 16312 وفيها أيضا أوردتم قول ابن مسعود المبيح للنكاح بعد التوبة، وذكرتم للسائل ما يلي: وأما الحديث: "أيما رجل زنا بامرأة ثم نكحها، فهما زانيا أبدا" فلم نجده في كتب الحديث، لا بسند صحيح، ولا بسند ضعيف، بل ورد ما يخالف ذلك، ففي سنن البيهقي، عن علقمة بن قيس أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: رجل زنى بامرأة، ثم تاب وأصلح، أله أن يتزوجها؟ فتلا هذه الآية: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:119]. قال: فرددها عليه مراراً، حتى ظن أنه قد رخص فيه. حينها اطمأن قلبي، وتزوجت من زنا بي بعد توبتنا، واستبراء رحمي بعد أن ارتحت لفتواكم، عندما علمت منكم أن لابن مسعود قولا آخر يبيح النكاح بعد التوبة، وإنما الخلاف في صحة النكاح قبل التوبة، لكن رأيت فتواكم رقم: 246145 وفيها الكلام التالي: والثالثة ـ هل الحرمة بين الزاني والزانية مؤقتة أم مؤبدة؟ فقال بالتأبيد طائفة من الصحابة كعائشة، وابن مسعود.
وخفت من عدم صحة نكاحي مرة أخرى، فأرسلت لكم مرة أخرى فتوى رقمها256600 أخبرتكم فيها أن هناك قولا آخر لابن مسعود بأن زواجنا حلال بعد التوبة، وأنتم الذين أخبرتموني بذلك القول المبيح للنكاح بعد التوبة لابن مسعود، في فتاواكم أعلاه! فلماذا الآن تنكرون، وتقولون إن ابن مسعود لم يرد عنه إلا تحريم نكاحنا، وأنه لم يرد عنه أنه حلال بعد التوبة؟ فهكذا قلتم لي: مَنْ كَرِهَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ـ وذكر منهم عائشة، وابن مسعود -رضي الله عنهما-، هذا وقد صحح أثري عائشة، وابن مسعود الشيخ غلام زكريا في كتابه: ما صح من آثار الصحابة في الفقه: 3ـ 1001ـ ولا يعرف لهما قولا آخر في كتب الآثار"!!!!!
فهل عدم إيراد الشيخ غلام زكريا لتلك الأحاديث يجعلها غير صحيحة؟ فهناك أحاديث كثيرة حسنة، أو جيدة لم يوردها في كتابه!
ثانيا: ألستم أنتم من أخبرني أنه يمكن حمل قول عائشة، وابن مسعود، والبراء على عدم صحة نكاح الزناة قبل التوبة. فلم غيرتم رأيكم، وأنكرتم أن يكون لهم قول آخر، خاصة أنه ورد عنكم سابقا في الفتاوى أعلاه قول آخر مبيح لابن مسعود؟ وكذلك ورد عن عائشة أنها قالت في حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم ما يلي: وروى الدارقطني، من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة، فأراد أن يتزوجها، أو ابنتها فقال: لا يحرم الحرام الحلال، إنما يحرم ما كان بنكاح. فهذا دليل على أنه مباح، وأنه إن كان محرما فهو محرم لنكاحهما قبل التوبة؛ لقول الله: وحرم ذلك على المؤمنين -أي نكاح البغايا، والزناة فلو تابا فقد أصبحا مؤمنين، ونكاحهما حلال!
وأيضا ورد مثل ذلك عن ابن مسعود ففي (مصنف عبد الرزاق) عن ابن سيرين قال: سئل ابن مسعود عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ قال: «هما زانيان ما اجتمعا» قال: فقيل لابن مسعود: أرأيت إن تابا؟ قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} [الشورى: 25]. قال: فلم يزل ابن مسعود يرددها حتى ظننا أنه لا يرى به بأسا.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحكم بن أبان قال: سألت سالم بن عبد الله عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها، فقال: سئل عن ذلك ابن مسعود، فقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}." وكذلك قال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال: لا بأس به، وقرأ: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) الآية. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن همام فذكره . . ..
ويمكن حمل أثر عائشة، وابن مسعود، والبراء على من لم يتب من زناه، وقد روي عن ابن مسعود ما يؤيد ذلك، وذكر ذلك أيضا، من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، نا علي بن عبد الله، نا يحيى بن سعيد القطان، نا شعبة، نا قتادة، والحكم بن عتيبة، كلاهما عن سالم.