السؤال
امرأة تكره زوجها جدًّا لظلمه لها، وجبروته عليها، وما يصبرها إلا أبناؤها، فهي تخشى أن تفقدهم إذا طلبت الطلاق؛ لأن زوجها من بلد مختلف، ولكنها تحزن كثيرًا عندما تتذكر أن هذا الزوج السيئ سيكون زوجها أيضًا في الجنة، فتشعر أن هذا ظلم شديد، وهي تعلم أن الحال سيتغير، وأنه سيكون كامل الأوصاف، ولكنها مع ذلك لا تريده، ولا تريد من الله عز وجل أن يغير ما في قلبها، ويجعلها عاشقة له، بل تريد من الله عز وجل أن يكافئها على صبرها وعلى دينها برجل آخر، كما سيكافئ الرجل بنساء أخريات.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن سوء الخلق، وجفاء الطبع أن يقسو الزوج على زوجته، وهو المأمور في التوجيه الرباني بحسن عشرتها، وصحبتها، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، وفي التوجيه النبوي الاستيصاء بها خيرًا، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء.
ومن العجيب أن يعاملها معاملة سيئة، وهي زوجته وأم أولاده.
ولها في حالة الضرر البين أن تطلب الطلاق من زوجها، كما نص على ذلك الفقهاء، قال خليل: ولها التطليق بالضرر البين، ولو لم تشهد البينة بتكرره.
وقد مثل لذلك الإمام الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل، فقال: ولها - أي: للزوجة - التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعًا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك، وسبها، وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيرًا من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر، وكوطئها في دبرها. اهـ. وهذا كله بالنسبة للدنيا.
وأما الآخرة: فالمرأة في الجنة لزوجها المسلم الذي مات وهي في عصمته، ولم تتزوج بعده، فإذا طلقت المرأة منه، وتزوجت من آخر، فهي لآخر أزواجها، كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 189775، وما دام أمر الجنة مختلفًا تمامًا، وأن الحال يتغير، فالتفكير في مثل هذا لا طائل من ورائه.
فعلى الزوجة أن تجتهد في جانبين، الأول: أن تجتهد في الأعمال الصالحة التي تعينها في دخول الجنة، ورعايتها لأولادها، وصبرها على مثل هذا الظلم من زوجها مما ترفع به الدرجات، وتكفر به السيئات.
الأمر الثاني: ما دامت لا تريد أن تطلب الطلاق من زوجها من أجل أولادها، فعليها أن تسعى في إصلاح زوجها بالدعاء له أولًا، ثم بالمناصحة، والاستعانة بالعقلاء والفضلاء من أهلها، أو غيرهم، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}. وقال سبحانه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}.
وقد وردت إلينا منك - أختنا الفاضلة - كثير من مثل هذه الأسئلة الغريبة المتعلقة بأمر محسوم شرعًا، أو الأسئلة التي تتعلق بالشبهات، فننصحك بالإعراض عن ذلك، والسؤال عما وراءه عمل، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وأصلح الأحوال.
والله أعلم.