السؤال
فكرنا ـ أنا وزوجي ـ في إقامة مشروع صغير على أساس أنني أستقرض قرضا ربويا من البنك ونقوم بعمل المشروع ويساعدني هو بنصف المبلغ بالتقسيط الشهري، وعندما قرأت عن القروض وحرمتها أخبرته أنني لا أرغب أن أستقرض قرضا ربويا إلا إذا كان إسلاميا، وفي حين أن الإسلامي يحتاج إلى رهن فالأمور تصعبت علينا، مما أدى إلى شجار، حيث إنه يؤكد أن كل الناس عندهم قروض ربوية، وحياتنا كلها غلط، فلماذا أصر على القرض الإسلامي في حين أن راتبي يدخل أيضا في البنك، علما بأن عنده بعض القروض الربوية من البنك للبيت الذي نسكن فيه منذ سنوات، وإذا كنت أعتبر هذا الشيء حراما، فعلي البحث عن بيت آخر حلال!! ووجهة نظري أن القروض الإسلامية لم تكن متوفرة في السابق فنضطر للجوء إلى القرض العادي، وإذا كنا نخطئ في حياتنا، فهل هذا يبرر أن نقوم بارتكاب كل الأخطاء؟ وهل يبرر أيضا للإنسان ارتكاب شتى أنواع المعاصي لكونه يخطئ؟ أتمنى إعطاء رأيكم الديني بالموضوع، فهل أستطيع أخذ القرض العادي من البنك؟ علما بأن معظم الناس عليهم ديون للبنوك بسبب القروض الربوية ولم تطرح البنوك الإسلامية في بلدتنا إلا قبل عامين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقكما لما يحب ويرضى، وأن يهيئ لكما من أمركما رشدا، وأما ما سألت عنه فجوابه أن الربا من أعظم الذنوب توعد صاحبه بالحرب من الله تعالى, فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {البقرة:278ـ 279}.
روى الشيخان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا…. إلى آخره.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل من اشترك في عقد الربا، فلعن آخذه، ودافعه، والكاتب الذي يكتبه والشاهدين عليه. ففي الحديث: لعن رسول الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال:هم سواء. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث دليل على أنه يجب على المسلم الابتعاد عن حومة الربا، وتجنبها بكل أنواع التعامل، ولا سيما إذا كان لغرض التجارة والاستثمار.
وعليه؛ فلا يجوز لك الإقدام على ذلك فاحذريه، ولا عبرة بكون كثير من الناس يقترضون بالربا، أو كون الشخص قد يفعل بعض المحرمات، فلا حجة في ذلك على الله:
والعرف إن خالف أمر الباري وجب أن ينبذ بالبراري.
يعني أن العرف المصادم للشرع لا اعتبار له، بل ينبغي نبذه وطرحه لا مشاكلته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا. رواه الترمذي.
والمرء قد يرتكب بعض المعاصي ويقع في بعض المخالفات لكن ذلك لا يعني أن يرتكب كل معصية، أو يقع في كل مخالفة، وبعض الشر أهون من بعض، والمسيء المقصر عليه أن يتدارك نفسه قبل أن يفجأه الموت ويدركه الأجل بالكف عن معاصيه والتوقف عن إساءته، لعل الله أن يتداركه برحمته فيتوب عليه ويغفر له زلته، وهو الغفار لمن أناب إليه.
وننبه هنا على أن من كان قد اقترض بالربا واستهلك القرض في بيت أو سيارة ونحوها، فإن حرمة القرض تتعلق بذمته لا بعين ما استهلك فيه القرض، فيباح له الانتفاع بالبيت أو السيارة أو غيرها، لكن عليه التوبة بالندم على الذنب والاستغفار منه والعزيمة ألا يعود إليه، ومن تاب تاب الله عليه.
وختام هذه الفتوى هو أن عليكما الابتعاد عن الاقتراض بالربا وارتكاب الحرام، وننصحكما بالحرص على الحلال في المطعم والملبس والاستعانة بالله والتوكل عليه في تحصيل الرزق الحلال، واعلما أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فقد قال الله سبحانه: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق:2ـ 3}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته. رواه ابن مردويه وحسنه الألباني.
والله أعلم.