السؤال
أعمل في مجال الويب وقررنا ـ أنا وشريكي ـ تأجير مكتب للعمل وكانت البداية من الصفر، فقمت بتجهيز المكتب من مالي على أن يدفع لي نصف التكلفة بعد العمل والربح، وحدث بالفعل ذلك وقمت بتأجير مكتب بجوار مسكني؛ لأنني سوف أكون مسؤولا عن كل شيء في إدارة المكتب والمعاملات المالية وغيرها. وبعد فترة قررنا الانتقال إلى مقر آخر أنسب وأقرب لشريكي حتى يمكنه من الوصول بدون مشاكل بعد تكرر غيابه، واقترحت عليه المكان فوافق عليه وبالفعل انتقلنا له، وقررت أن أستأجر شقة للزواج بجوار المكتب حتى يسهل علي الحضور بالرغم من ارتفاع كلفة هذه المنطقة، ولكنني رضيت لأنها قريبة من أقارب زوجتي، والمشكلة الآن هي أن شريكي في العمل يغيب كثيرا، ويسبب بذلك تأخر العمل وخسارة في الوقت إضافة إلى إيجارات المكتب التي تدفع بدون فائدة بالإضافة إلى عدم استقراره في ميعاد محدد للحضور، فمرة يأتي في الصباح ومرة بعد الظهر بدون أن يخبر أحدا، ويسبب ذلك ارتباكي والعاملين معنا، إضافة إلى أنني أقوم في أوقات كثيرة بالاتصال به لإيقاظه من النوم، ونتركه أن يختار وقت الحضور، لأنه الأبعد من حيث المسافة التي تستغرق من ساعة إلى ساعتين في بعض الأحوال وهو على ذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات، والسؤال هو: في كل شهر نقتسم الربح مناصفة ولكنه يغيب كثيرا في الشهر أكثر من أربع مرات غير أيام العطلة، مع العلم أني المسؤول عن إدارة المقر إضافة إلى عملي معه وهو لا يتحمل أي نوع من المسؤولية سوى عمله فقط، فهل إذا غاب يوما عن العمل يحق لي خصم اليوم من الربح الشهري؟ وماذا يقول الإسلام في ذلك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره السائل من حلّ لمشكلة تقصير الشريك في عمله وما ترتب عليه من خسارة ليس حلا مناسبا في شركة العقود كشركة العنان التي في صورة السؤال، لأن أرباح الشركة مما تتقاضونه من الناس إنما هو أجرة على أعمالكم كوحدات إنتاجية على نحو الأجير المشترك، لا على نحو الأجير الخاص كساعات عمل، فالحسم من حصة الشريك المقصر على أساس ساعات العمل أو أيام العمل غير متجه، وأوجه الحلول فيما وقفنا عليه من كلام الفقهاء ما ذكره فقيه الحنابلة ابن قدامة في كتابه المغني احتمالا، وهو ما رجحناه في فتوى سابقة برقم: 162491، قال رحمه الله: ويحتمل أنه متى ترك العمل من غير عذر، أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله دونه ـ وبعبارة أقرب: لا يعطى الشريك المقصر في عمله المتفق عليه معه في الشركة من أرباح كل منتج إلا بنسبة مشاركته الفعلية في إنتاجه.
وقد بيّن الموفق وجه ذلك فقال: لأنه إنما شاركه ليعملا جميعاً، فإذا ترك أحدهما العمل فما وفى بما شرط على نفسه فلم يستحق ما جعل له في مقابلته، وإنما احتمل ذلك فيما إذا ترك أحدهما لعذر، لأنه لا يمكن التحرز منه، وهذا هو مقتضى المساواة بين الشركاء في شركات العقود.
قال الرحيباني في المطالب ممزوجا بالغاية: وموجب العقد المطلق في شركة بأنواعها، وفي جعالة وفي إجارة، التساوي في عمل وأجر، إذ لا مرجح لأحدهما يستحق به الفضل على الآخر، ولزائد عمل، حيث لم يتبرع بزيادة عمله طلبه ـ أي شريكه ـ بالزيادة، ليحصل التساوي.
وهذا الحل مشروط بأن يكون التقصير بغير عذر معتبر، كما في النقل، ووراء هذا الحل قول جمهور الفقهاء ألا هو الإبقاء على المناصفة التزاما بإطلاق العقد أو فسخ الشركة وهو حق محفوظ للشركاء ما لم يترتب عليه إضرار بالآخر، وقد نقلنا في الفتوى المشار إليها أعلاه قول الجمهور وأدلتهم، فانظرها للأهمية.
والله أعلم.