السؤال
ما حكم النظر إلى السبابة أثناء التشهد حتى الانتهاء منه - بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا ؟
ما حكم النظر إلى السبابة أثناء التشهد حتى الانتهاء منه - بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنظر إلى السبابة أثناء التشهد حتى الانتهاء منه هو السنة عند أكثر أهل العلم، كالشافعية, والحنابلة؛ للخبر الذي رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، وأبو يعلى من حديث عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع كفَّه اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة لا يجاوز بصرُه إشارتَه.
قال صاحب عون المعبود: أي: بل كان يتبع بصره إشارته؛ لأنه الأدب الموافق للخضوع، والمعنى: لا ينظر إلى السماء حين الإشارة إلى التوحيد, كما هو عادة بعض الناس، بل ينظر إلى إصبعه, ولا يجاوز بصره عنها.
وقد صحح أهل العلم هذا الحديث, واستدلوا به، قال النووي في شرح مسلم: والسنة أن لا يجاوز بصرُه إشارتَه، وفيه: حديث صحيح في سنن أبي داود.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: واستثني من النظر إلى موضع السجود حالة التشهد، فإن السنة إذا رفع مسبِّحته أن لا يجاوزَ بصرُه إشارتَه، ذكره في المجموع، وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود.
وقال ابن مفلح الحنبلي في المبدع: وحالِ إشارته في التشهد فإنه ينظر إلى سبابته؛ لخبر ابن الزبير.
قال بعض أهل العلم: والسر في هذا أنه أتم للإخلاص لله بالوحدانية.
وأما الذين قالوا بخلاف ذلك من أهل العلم: فاختلفت مذاهبهم في هذا، فعند المالكية النظر في القيام والقعود إلى جهة القبلة, قال في منح الجليل: ويجعل بصره أمامه، وكره وضعه موضع سجوده لتأديته لانحنائه برأسه، وهو قول مالك، كما قال ابن المنذر.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أن سبب قولهم بذلك هو عدم وقوف مالك وأئمة أصحابه على حديث ابن الزبير؛ ولذلك قال القرافي ـ رحمه الله ـ في الذخيرة مستدلاً للنظر تجاه القبلة وردًا على الشافعي وأحمد: لنا أن عدم الدليل دليل على عدم المشروعية, ولم يرد دليل في ذلك، فلم يستثنوا حال الإشارة في التشهد.
واختلف قول الحنفية في ذلك، فمنهم من يجعل النظر أثناء القعود إلى حِجره؛ لأنه أقرب عندهم إلى الخشوع، وهو الأصح في مذهبهم، ويجعلونه من آداب الصلاة، قال ابن عابدين: لأن المقصود الخشوع وترك التكليف، فإذا تركه صار ناظرًا إلى هذه المواضع قصد أو لا، وفي ذلك حفظ له عن النظر إلى ما يشغله، قال: فإذا كان في هذه المواضع ما ينافيه يعدل إلى ما يحصله فيها. اهـ.
ومن الحنفية من يجعل النظر إلى محل السجود في كل الصلاة، قال صاحب حاشية تبيين الحقائق: أي: مطلقاً سواء كان في حال القيام، أو الركوع، أو التشهد، وفي رواية في حال القيام فقط، ثم نقل عن الرازي قوله: وفي التشهد إلى مسجده.
وكلٌّ يجعل مذهبه هو السنة ومن آداب الصلاة؛ لأنه عنده أقرب إلى الخشوع.
والحاصل أن أرجح الأقوال في النظر أثناء التشهد هو قول الشافعية والحنابلة الموافق لحديث ابن الزبير، واختاره ابن المنذر في الأوسط، وذكر الحديث، واختاره ابن القيم، كما في زاد المعاد، وهو ظاهر اختيار شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا في حال الإشارة في التشهد، أما في غير التشهد فقد قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع: ينظرُ المصلِّي إما إلى تلقاء وجهه، وإما إلى موضعِ سجودِه في غير ما استُثنيَ، ولكن أيُّهما أرجح؟ الجواب: أن يختارَ ما هو أخشعُ لقلبِه، إلا في موضعين: في حال الخوف، وفيما إذا جَلَسَ فإنه يرمي ببصره إلى موضع إشارته إلى أصبعه، كما جاءت به السُّنَّةُ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم. وهو كما قال.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني