السؤال
ما هي الكراهة التحريمية عند الأحناف وغيرهم؟ وهل تارك الواجب معذب؟ وكيف استدل الحنابلة على واجبات الصلاة؟.
ما هي الكراهة التحريمية عند الأحناف وغيرهم؟ وهل تارك الواجب معذب؟ وكيف استدل الحنابلة على واجبات الصلاة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحنفية يعنون بالكراهة التحريمة ما ثبت تحريمه بدليل غير قطعي، قال في التَّوْضِيحِ فِي حَلِّ غَوَامِضِ التَّنْقِيحِ: وَالْمَكْرُوهُ نَوْعَانِ: مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ـ وَهُوَ إلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ ـ وَمَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ـ وَهُوَ إلَى الْحُرْمَةِ أَقْرَبُ ـ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، بَلْ هَذَا ـ الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ـ حَرَامٌ، لَكِنْ بِغَيْرِ الْقَطْعِيِّ كَالْوَاجِبِ مَعَ الْفَرْضِ. انتهى.
وقال الزركشي في البحر المحيط: وفرق محمد بن الحسن ـ صاحب أبي حنيفة ـ بين الحرام والمكروه كراهة تحريم، فقال: المكروه كراهة تحريم: ما ثبت تحريمه بغير قطعي، والحرام ما ثبت بقطعي كالواجب مع الفرض. انتهى.
فالكراهة التحريمية بهذا الاصطلاح زادها الحنفية على الجمهور، وجعلوها قسما من أقسام الأحكام التكليفية، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في الروضة: أما الحنفية: فالأحكام عندهم سبعة: الفرض، والإيجاب، والندب، والتحريم، والكراهة التحريمية والكراهة التنزيهية، والإباحة، فزادوا على الجمهور الفرض، وكراهة التحريم. انتهى.
وأما السلف: فيطلقون الكراهة ويقصدون بها الحرام، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في إعلام الموقعين: فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، أما المتأخرون فقد اصطلحوا على الكراهة تخصيص بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك. انتهى.
وأما تارك الواجب: فهو مستحق للعقوبة، فإن شاء الله تعالى عذبه بعدله، وإن شاء عفا عنه بفضله، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: والواجب يثاب فاعله امتثالاً، ويستحق العقاب تاركُه. انتهى.
وأما عن كيفية استدلال الحنابلة على واجبات الصلاة؟ فالجواب: أن الحنابلة قالوا إن واجبات الصلاة ثمانية، هي تكبيرات الانتقال، والتسميع لإمام ومنفرد، والتحميد لإمام ومأموم ومنفرد، واستدلوا على وجوب هذه بفعله صلوات الله عليه وقوله: صلوا كما رأيتموني أصلي.
وتسبيحات الركوع والسجود، لقوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت سبح اسم ربك الأعلى: اجعلوها في سجودكم. رواه أحمد، وأبو داود.
ورب اغفر لي بين السجدتين، لحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي. رواه النسائي، وابن ماجه.
والتشهد الأول على غير من قام إمامه سهواً، لوجوب متابعته، والجلوس له، لحديث ابن مسعود مرفوعاً: إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله... الحديث رواه أحمد، والنسائي.
هذا حاصل ما استدلوا به مختصرا، واعلم أن واجبات الصلاة عندهم هي التي تسقط بالنسيان والجهل ويجبرها سجود السهو، فاستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بإعادة الصلاة حين ترك بعض أركانها، وقام هو صلى الله عليه وسلم عن التشهد الأول سهوا فلم يرجع إليه، وإنما جبره بسجود السهو، فألحقوا بالتشهد الأول ما قام الدليل على الأمر به ولم ينهض للدلالة على ركنيته، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني عند احتجاجه على واجبات الصلاة: وقد ذكرنا الدليل على وجوبها فيما مضى وذكرنا حديث يحيى بن خلاء عن عمه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا تتم الصلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ ويضع الوضوء ـ يعني مواضعه ـ ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ بما شاء من القرآن، ثم يقول الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما، ثم يقول الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يقول الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا، ثم يقول الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته ـ وفي رواية: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك ـ رواه أبو داود، وحكم هذه الواجبات إذا قلنا بوجوبها أنه إن تركها عمدا بطلت صلاته وإن تركها سهوا وجب عليه السجود للسهو، والأصل فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى ثالثة وترك التشهد الأول فسبحوا به فلم يرجع حتى إذا جلس للتسليم سجد سجدتين وهو جالس، ولولا أن التشهد سقط بالسهو لرجع إليه، ولولا أنه واجب لما سجد جبرا لنسيانه، وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه ومشبه به، ولا يمتنع أن يكون للعبادة واجبات يتخير إذا تركها، وأركان لا تصح العبادة بدونها كالحج في واجباته وأركانه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 54220، ورقم: 134277.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني