السؤال
ما معنى وتفسير التشهد كاملا عند الانتهاء من الصلاة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في التشهد، وسنقتصر على بيان معاني أقواها من حيث الصحة، وهو ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ـ التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
وانظر الفتوى رقم: 8643.
قال الخطيب الشربيني في كتابه: مغني المحتاج: التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ: وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهَا مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ، وَقِيلَ: الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ: السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَجَمِيعُ وُجُوهِ النَّقْصِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا جُمِعَتْ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ يُحَيَّا بِهَا... وَالصَّلَوَات: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ، وَقِيلَ: كُلُّ الصَّلَوَاتِ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَقِيلَ: الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَا طَابَ مِنْ الْكَلَامِ، وَالسَّلَامُ: قِيلَ مَعْنَاهُ: اسْمُ السَّلَامِ أَيْ: اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ! وَعَلَيْنَا: أَيْ: الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ وَغَيْرِهِمْ، وَالْعِبَادُ: جَمْعُ عَبْدٍ، وَالصَّالِحِينَ: جَمْعُ صَالِحٍ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ خَبَرَ مَنْ أَرْسَلَهُ. اهـ.
وقال الإمام القسطلاني في كتابه: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: التحيات أي: أنواع التعظيم لله المتفضل بها، والصلوات: الدعاء، أو الخمس المعروفة وغيرها، أو الرحمة، والطيبات ما طاب من الكلام وحَسُن، ومعناه: أن التحيات وما بعدها مستحَقة لله تعالى، لا تصلح حقيقتها لغيره، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أي: السلام الذي وُجِّه إلى الأنبياء المتقدمة، موجه إليك أيها النبي، والسلام الذي وُجِّه إلى الأمم السابقة من الصلحاء علينا وعلى إخواننا، فالتعريف للعهد التقريري، قاله الطيبي، وقيل غير ذلك، وقوله: وعلى عباد الله الصالحين، بعد قوله: السلام علينا، من ذكر الخاص بعد العام، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أمرهم بإفراد السلام عليه بالذكر، لشرفه ومزيد حقه عليهم، وتخصيص أنفسهم، فإن الاعتمام بها أهم، ثم اتبعه بشهادة التوحيد لله، والرسالة لنبيه عليه الصلاة والسلام، لأنه منبع الخيرات وأساس الكمالات. اهـ.
وقد بينا معنى الشهادتين في الفتوى رقم: 57749.
وأما قول المصلي: السلام عليكم ورحمة الله: فإنه دعاء للمؤمنين بأن يحفظهم الله تعالى ويسلمهم من شرِّ كل ذي شرٍّ وأن يرحمهم، فإن كلمة السلام إما أن تكون اسم الله تعالى، فيكون معنى: السلام عليكم: أي اسم الله تعالى عليكم، أي: أنتم في حفظه وكلاءته، وإما أن تكون كلمة: السلام: مصدر بمعنى السلامة، أي: أدعو لكم بالسلامة، قال الإمام ابن القيم في كتابه: بدائع الفوائد عن معنى السلام: فيه قولان مشهوران: أحدهما: أن المعنى: اسمُ السلام عليكم، والسلام هنا هو الله عز وجل، ومعنى الكلام: نزلت بركة اسمه عليكم وحلَّت عليكم ونحو هذا... القول الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة. اهـ بتصرُّف.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني