السؤال
أفيدونا - أفادكم الله - عن حكم القول عن المعاقين ذهنيًا أو الأشخاص المصابين بظاهرة داون أنهم "بتوع ربنا" أو "فيهم شيء لله" - كما يقال عندنا في مصر - فهل في هذا الكلام سوء أدب مع الله؟ وهل يجب زجر من يقول تلك الأقاويل؟ أفتونا مأجورين - أحسن الله إليكم, وبارك في علمكم -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولياء الله تعالى هم أكمل الخلق عقولًا وأصحهم فهومًا، وأما من كان زائل العقل فإنه ليس من أهل التكليف أصلًا, بل القلم مرفوع عنه, فلا يصح أن يوصف بكونه وليًّا لله - كما هو فاش شائع عند كثير من العامة - يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: وَمَنْ كَانَ مَسْلُوبَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَلَمُ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِقَابٌ، وَلَا يَصِحُّ إيمَانُهُ وَلَا صَلَاتُهُ وَلَا صِيَامُهُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا مَعَ الْعَقْلِ، فَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ عِبَادَتِهِ، لَا فَرَائِضِهِ وَلَا نَوَافِلِهِ، وَمَنْ لَا فَرِيضَةَ لَهُ وَلَا نَافِلَةَ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى} [طه: 54] أَيْ: الْعُقُولِ, وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] أَيْ: لِذِي عَقْلٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197] وَقَالَ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] فَإِنَّمَا مَدَحَ اللَّهُ، وَأَثْنَى عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْمَدْهُ، وَلَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ. انتهى.
فمن اعتقد في من هذه حال من المعاقين ذهنيًا أنهم لأجل ما بهم من الإعاقة أقرب إلى الله تعالى, وأولى به, وأنهم من خواص المؤمنين, فاعتقاده هذا منكر باطل، فيجب زجره عنه, وأن يبين له حقيقة الأمر, وأن ولي الله هو من كان طائعًا لله تعالى, ولا تكون الطاعة إلا ممن كان مكلفًا, والعقل هو مناط التكليف - كما هو معلوم -.
وأما من كان زائل العقل بجنون أو نحوه فإن كان من أولاد المسلمين: فحكمه حكم أولاد المسلمين من كونهم تبعًا لآبائهم.
ومن كان على حال من إيمان أو كفر ثم زال عقله فإنه يثاب ويعاقب بمقتضى تلك الحال التي كان عليها، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: ومن كان يهوديا أو نصرانيا ثم جن وأسلم بعد جُنُونِهِ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ، لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، وَمَنْ كَانَ قَدْ آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ وَجُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ أُثِيبَ عَلَى إيمَانِهِ الَّذِي كَانَ فِي حَالِ عَقْلِهِ، وَمَنْ وُلِدَ مَجْنُونًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ.
وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الطِّفْلِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - كَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ - وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ، كَمَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ لِلْأَطْفَالِ لَا لِأَجْلِ إيمَانٍ قَامَ بِهِ, فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَانِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ، وَهَذَا الْإِسْلَامُ لَا يُوجِبُ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَصِيرَ بِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُربونَ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ. انتهى.
وقد بسطنا القول في هذه المسألة نوع بسط لمسيس الحاجة إليها, وكثرة الغلط فيها عند كثير من العامة.
والله أعلم.