الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح الأخ السائل بأن يجعل همه تعلم ما ينفعه ويقربه إلى الله، وأن يقلع عن التكلف في إيجاد الشبهة ثم تطلب الجواب عنها، ونهيب به ألا يجعل قلبه وعاء للشبهات، فإن تتبع الشبه والركون إليها مفسد للقلوب، خاصة لمن قل علمه.
قال ابن القيم: والشبهة وارد يرد على القلب, يحول بينه وبين انكشاف الحق له, فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه, بل يقوى علمه ويقينه بردها, ومعرفة بطلانها, ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه, قدحت فيه الشك بأول وهلة, فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها؛ حتى يصير شاكًا مرتابًا, والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي, وجيش شبهات الباطل, فأيما قلب صغا اليها, وركن إليها تشربها, وامتلأ بها, فينضح لسانه وجوارحه بموجبها, فإن اشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات, فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه, وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه, وقال لي شيخ الإسلام - رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيرادًا بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها, فلا ينضح إلا بها, ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة, تمر الشبهات بظاهرها, ولا تستقر فيها, فيراها بصفائه, ويدفعها بصلابته, وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها, صار مقرًّا للشبهات, أو كما قال, فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك. اهـ
وما جاء في قول السائل: (هل صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يغضب ولا ينتقم لنفسه إلا إذا انتهكت محارم الله؟)، فالذي ورد هو قول عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل, وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لنفسه. بل جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أم سليم, أما تعلمين أن شرطي على ربي، أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورًا وزكاة، وقربة يقربه بها منه يوم القيامة. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد يغضب لنفسه، لكن لا ينتقم إلا إذا انتهكت محارم الله.
وأما طلاق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة - رضي الله عنها - فهو ثابت، كما أخرجه أبو داود، وصححه ابن كثير, وقال ابن حجر: إسناده حسن.
ولابن سعد من حديث قيس بن زيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فقال لي: راجع حفصة, فإنها صوامة قوامة, وهي زوجتك في الجنة. وقيس مختلف في صحبته. لكن سبب الطلاق لم يثبت في حديث صحيح، وقد ذكرنا في الفتوى:80744 ما ذكره بعض العلماء من سبب هذا الطلاق.
وعلى كل حال: فلم يقل أحد من المسلمين إن أفراد الصحابة رضي الله عنهم - ومنهم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم - معصومون من الذنوب، بل هم يخطئون ويتوبون, ومن ذلك إفشاء سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في قوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {التحريم:3}، والواجب على المسلم إحسان الظن بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، والكف عن تتبع ما أخطؤوا فيه, والتنقير عنه.
وللزوج تطليق زوجته دون حاجة عند جماهير العلماء، فكيف إن أفشت سره؟.
وليست هناك عقوبة شرعية خاصة لمن أفشى السر سواء الزوج أم الزوجة.
والله أعلم.